{ كان العالم يتصور أن «قيامة السودان» ستقوم مع إعلان نتائج الاستفتاء، لهذا قد هبطت الفضائيات العالمية منذ وقت مبكر على السودان لتشهد ذلك المشهد نادر الحدوث، حيث تولت قناة الجزيرة، بطبيعة الحال، كبر هذه التغطية، فجعلت يومئذ لها مكاتب رئيسية بالخرطوم وجوبا ومكاتب متحركة في كل مدن الإقليم تقريباً، وكانت أنفاس الفضائيات تتصاعد كلما اقتربنا من موعد هذه «الظاهرة الانفصالية» التي ستقصف بظاهرة قطرية اسمها السودان، سئل يومها السيد الرئيس عن «كثافة» هذه الأجهزة الإعلامية التي اجتاحت، والرجل البشير كان يومئذ يعرف قدر شعبه شمالاً وجنوباً، فقال، ذات الأجهزة قد هبطت علينا بكثافة على أيام الانتخابات، ولها أشواق وتمنيات بأن الذي حدث في كينيا وساحل العاج سيحدث في السودان وبصورة أبشع وأسوأ، وجرت الانتخابات في السودان، يقول الرئيس، وقيامة السودان لم تقم، فلم تملك تلك الفضائيات إلا أن «تلملم عدتها» وترحل. ويضيف وأتوقع ذات السيناريو، أن يمر حادث الاستفتاء كما مرت كل الأحداث، وأن شيئاً ذا بال لن يحدث. وكما توقع السيد الرئيس فإن «الجماعة لملموا عدتهم» ورحلوا، لكن (الجزيرة) قد عوضتها الأقدار عن «قيامة السودان» بقيامات عدة وثورات تشتعل الآن في كل المنطقة، ولا أعرف موسماً ناجحاً للجزيرة مثل موسم الثورات العربية التي تهب رياحها في أكثر من قطر هذه الأيام. وقديماً قال السودانيون «البلقى هواه بضري»، لم تفرغ الجزيرة بعد من ثورة الشابي التونسية وميدان التحرير المصرية حتى هبت رياح «التغيير اليمني» ثم دارت الدوائر على «دوار اللؤلؤة» بالبحرين، ثم توالت الثورات وتفرقت دماؤها على الصحراء الليبية والمدن الساحلية، ثم ظهرت أنجم دولة سوريا في سماء الأزمة العربية، ومن فرط احتشاد الثورات وتنوعها وتعددها بتنا نشفق على كاميرات «الشيخ خليفة بن حمد» وفواتير حكومته، إن كانت قطر قادرة على تمويل كاميرات الجزيرة والثورات التي بلغت درجة الملل والتخمة و.. و... { لكننا نعود لأرض «النيل والصحراء والثورات»، فكانت مذيعة قناة الجزيرة يومئذ تبلغ ذروة نشوتها وهي تستضيف من الخرطوم على سفح حدث الاستفتاء، السيد الرئيس، وكان الهواء يتلاعب بخصلات شعرها في أستديو مفتوح مباشرة على نهر النيل العظيم، وكأني بها وهي تدخل إلى هذا اللقاء الرئاسي وفي خلدها بأنها ستحتاج إلى جهد إعلامي عسير لتصل في نهاية الختام إلى غايتها «شرعنة دولة السودان» وشريعتها، على افتراض أن كل الرؤساء العرب يهربون من مسألة الدين فرارهم من الزحف، لأن أي اقتراب من هذه المحظورات سيؤهلك إلى (اللستة) الأمريكية الشهيرة؛ الدول التي ترعى الإرهاب، لكن مذيعة الجزيرة لا تعرف المثل السوداني الذي يقول «البتبلبل يعوم» والسودان عضو دائم في (لستة) واشنطن الشهيرة. { قالت المذيعة: السيد الرئيس هل جلدتم تلك الفتاة؟ يقول الرئيس: قطعاً جلدناها وكنا نطبق حداً من حدود الله عز وجل، وربما يختلف الناس حول أدوات التطبيق ومراجعة طرائقها ولكنا لن نتراجع عن حدود الله. المذيعة وبدت بيسر تقترب من هدفها الذي هو الشريعة الإسلامية، القنبلة المحظورة عربياً، فسألت: هل تعتزمون تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان؟ الرئيس: قطعاً إن الفرصة لتطبيق الشريعة بعد الانفصال أصبحت أكبر لأن الكثيرين كانوا يتذرعون بالجنوب غير المسلم في معظم مقاطعاته.. وما بقي من ذلك الحوار أصبح للاستهلاك الإعلامي لأن ما سعت له القناة وجدته في الإجابة الثانية مباشرة بقطعية الرئيس عمر البشير.. { مخرج.. اليسار يحدثنا هذه الأيام عن تخليه عن الثورات حتى تتفرغ الحركة الشعبية وتتحرر من شراكتها مع المؤتمر الوطني في يوليو، والأستاذ سبدرات كان يقول منذ فترة قريبة: «هنالك فرقة ما بين سلة السكين والضبح». { مخرج أخير.. لا أخشى فقط من أن يخرج الشيوعيون في يوليو ولا يجدون أحداً ولكن أخشى ألا يجدوا كرتونة يكتبون عليها «خرجنا ولم نجدكم»، ولم نجد كرتونة نكتب عليها هذا الخروج، والله أعلم.