تبقت ثلاثة شهور على رحيل ما تبقى من الأُسر الجنوبية من ولايات شمال السودان بعد أن صار الانفصال السياسي أمراً واقعاً لا مفر منه، ولكن هنالك واقعاً اجتماعياً لا يمكن تجاوزه بنتائج تفسد وشائج اجتماعية وانصهار قبلي تجاوز حدود الشمال والجنوب. أمس الأربعاء وبمنطقة سوبا الحلة مساءً كان كريز براون اموج يور- أو سمعان بحسب شهادة الميلاد - وهو من قبيلة الشلك، يرسم لوحة اجتماعية تجسِّد عمق العلاقة بين القبائل في بلدين يحملان اسم السودان، بعد أن أقامت أسرة أبو القاسم علي سيد أحمد احتفال وداع لليافع الذي يعود إلى ملكال مسقط رأسه مع أسرته بعد (16) عاماً قضاها في سوبا الحلة. يقول كريز ل«الأهرام اليوم» لن أنسى أصدقائي وحتماً سأعود في الإجازات الدراسية إليهم. وهو يدرس بالصف الثامن بكمبوني الجريف غرب، ويلعب مهاجماً لفريق الأصالة بسوبا. وحكي كريز انطباعاته عن زيارته السابقة إلى ملكال بعد أن رأى الاضطرابات الأمنية، ويتمنى أن يعود الاستقرار إلى مدن الجنوب ويقدم مساهمته في تنميتها بكل ما يستطيع. العشرات من أصدقاء كريز منحوه شهادة تقديرية في حفل وداع الأمس بعد أن كتبوا عليها: “إلى سمعان أموج.. ترعرعت بيننا أخاً وصديقاً وستظل معنا دوماً.. وإن فرقتنا السياسة سيحملك الوجدان”.. من الأصدقاء بمربع (5-6) سوبا غرب. ويقول أبو القاسم علي سيد أحمد - (54) عاماً وموظف بشركة النيل الأبيض للبلاستيك - إن «كريز» أحد أفراد أسرته ويتمتع بأخلاق عالية ويصفه بالمهذب، ويضيف : «أمر حزين جداً أن يفارقنا بعد كل هذه السنوات، لقد نشأ مع أبنائي ويحتفل معهم في كل المناسبات العامة والخاصة، لم يكن هنالك فرق بين المسلم أو المسيحي.» وتوقع له مستقبلاً باهراً في كرة القدم قائلاً إنه حريف في الكرة ويلعب بعقله. وشاهدت «الأهرام اليوم» ممازحة بين إيهاب أبو القاسم وسمعان اللذين لا يفترقان، حيث يلعب إيهاب حارس مرمى وكريز مهاجم لا يشق له غبار. فهل تحرز ملكال ومدن الجنوب أهداف التعايش والسلام في مرمى الخرطوم ومدن الشمال كحال كريز وإيهاب؟