في الواقع إنه تحرك سريع جداً، فقد كانت تستغرق أربعين يوماً بأكملها لإتمام تنظيف أنابيب المصفاة حتى يتسنى إرجاع إمداد الغاز إلى مجراه العادي، فعقب الحرارة الساخنة التي أشعلتها أزمته السابقة ليصل سعر إعادة تعبئة أنبوبة الغاز ما يقارب الأربعين جنيهاً - كل يوم بجنيه - إذا بوزارة النفط وما يلحقها من هيئات وإدارات وأبحاث تصرح بأن العمل بالمصفاة في ما يتعلق بتنظيفها قد اكتمل، وأن الإمداد سيغذي المراكز والتجار، ليستقر تحت وطأة نيران المواقد يسخن وينضج ما تيسر من طعام ويسري بين شرايين الأنابيب يعالج ما تعسّر من أعطاب وأمراض ومواصلات! لنصل نحن إلى الرضا في ما بعد بالهبوط البطيء جداً في نسبة أسعاره حتى تصل إلى مرابطها القديمة. فما يطير سعره ويرتفع لا يقع أبداً، وأوزان الرغيف وأسعاره خير دليل على ذلك، فمراجعة الحكومة لأمر التنظيف طويل المدى ذاك لن يعني مراجعتها لأمر جشع التجار المتنفذين في تصريف شؤون العباد، ولن يغلق مركزاً لبيع الغاز لأنّه واصل خداع الناس بأن الأربعين يوماً لم تفتح (بوابة سمسم) بعد، ليسري الغاز إليهم! وإلى ذلك فإن الإمداد الإعلامي للمسائل المتعلقة بهموم الناس وحاجاتهم متوقف جداً على الكتابة في الصحف أو الشرائح رقيقة الحجم تحت مستوى النظر على شاشات القنوات الطاردة للجماهير، أما في الإذاعات فيبث في الفترات (الميتة)، فالحيوية تترك للإعلانات التجارية ذات الربح الاقتصادي، وعليه يبقى الناس يعدون على أصابعهم فترة (النفاس) المقررة سنوياً على حمل أنابيبهم متى يشاء الزمان لها أن تخرج منه، وفي الحالة الآنية يستثمر التجار فارق زمن الضيق ببضعة آلاف تملأ جيوبهم، فعيونهم تنظر شيئاً آخر! وآخر تقديرات الحكومة متمثلة في وزارة نفطها صحيحة لا شك بأن تسارع إلى نجدة الناس المضغوطين أصلاً ولا حاجة لهم لانعدام غاز لينفجروا. وبأن تفتح مسافة مقدرة لتنفيس الغاز الساخن في الصدور وإخراج المدخر في المخزون لينعم الناس بطعام سريع وعلاج سريع وتواصل بطيء، لكن تقدمها بالإفراج عن الغاز وتطميننا بأنه وكل المحروقات الأخرى أيضاً بخير، وأننا سننعم بها ما دمنا نملك ثمن تعبئتها، فهذا غير صحيح لما يتعلق بالمراجعة المسبقة لمن رفعوا السعر قبل تمام الانقطاع ومن يواصلون الآن رفعه بعد تمام الاتصال.. وما يرتبط بأصل النصيب القديم من ثروة البترول القابلة القسمة على الكل إلا الشعب! تشعبات مسألة البترول من حقوله ومناطق وجوده إلى استخراجه والشركات المقربة بوجودها ونسبتها المئوية والعمالة الأجنبية والأنابيب والتصدير إلى آخر السلسلة الطويلة تلك، تلف رأسنا جداً كمواطنين ولن تعنينا إلا بمقاس تعبئة السيارات والأنابيب والفوانيس - نعم هنا في العاصمة الخرطوم النموذجية يوجد من يشعلون الفانوس للإضاءة والمذاكرة لعدم وجود الكهرباء أو لانقطاعها المتكرر! - و تعنينا جداً بمقياس عبوة أنبوب الغاز ومدة صلاحيته طوال شهر أو يزيد. فالزيادات التي يستحلها التجار الباطشون بلا وعيد أو رقيب في حق العباد رغم تصريحات المسؤولين على الورق والمجالس، هي التي تجعل الصدور والعقول من ضمن قائمة المحروقات المتوفرة في الشارع السوداني، وهي التي تضيّق حدود الإجابات عن الأسئلة غير المشروعة: لماذا تسكت الحكومة عنهم؟ لماذا تبسط يدهم لتغل أيدي المواطنين؟ لماذا تحدد لنا الأوزان وتسمح لهم أن يطففوا؟ لماذا تنظف الأنابيب في عشرة أيام وتجعلهم يوسخون أساليب البيع كل العام؟ عموماً لا ضرورة للإجابات فقد تخرب الحكومة مصالحها مع التجار لصالح أنبوبة غاز (بس) لمواطن! لذا على المواطن الحق أن يعمل بنصيحة الفنان (طه سليمان) وشاعره (محمد ديكور) - مع الاعتذار لمعجبيهم المتزمتين - بأغنية (ولع لي النحرقو)، ولا يهم نوع المحروق المعني إن كان غازاً أو فحماً أو حتى بلاستيك، المهم أن الولعة لا تستغرق أربعين يوم أو دقيقة مثلاً!!