والمعلمون بطبيعة الحال هم الأكثر ميلاً لأن يكونوا مظلومين من أن يكونوا ظالمين! رغم المحاولات الأخيرة بجعل التعليم (بزنس) ليضخ عبر أنابيب المدارس الخاصة العملات الجانبية إلى جيوبهم مائلة الطقس..! لهذا فإن محاولات بعض المحليات التي يتبعون إليها بحكم النظام التعليمي المتدرج من الولايات للمحليات ومكاتبها التعليمية، محاولاتهم لإدراجهم تحت لائحة المظلومين فوراً وبلا عدل يلحق قضاياهم، ناجحة بكل المقاييس، فهم لا يملكون صوتاً، خاصة في بدايات موسم الإجازة الصيفية، ولا وقت للمطالبة بما يمكن تسميته مظلمة. ومظلمة معلمي محلية الشهداء - وهي محلية يشكو منها المواطن قبل الموظف - تتمثل هذه المرة في سحب مبلغ مالي لا يتجاوز ستة جنيهات من كل معلم لصالح احتفالات نهاية الخدمة لمعاشيي التعليم للمحلية! وهو أمر كما ترون يخص إلى حد كبير النقابة، وربما المعاشيين بقليل وفاء، لكن لا يخص إطلاقاً دفتر الأحوال الشخصية الإجبارية الذي تلزم به المحلية كافة المدارس التابعة لها بفتحه على رقم يحسبون أنه قليل من المرتب غير المتجاوز - لأقل درجة وظيفية للمعلم - ثلاثمائة جنيه، مع الاقتطاعات التأمينية وما إلى ذلك. وإلى ذلك فإن المحلية بالمقابل لا تُوجد بنداً يسهم في تحسين الوضع البيئي للمدارس عبر التبرعات الأهلية أو النظامية من المحلية أو الولاية أو عبر ما تتحصل عليه وافياً من كثير من التبرعات الأخرى. وبالتالي فإن بيئة العمل التي يعمل فيها المعلم غير محفزة في الأساس لأن تكون هناك سماحة في مساحة صدره لتقبل اقتطاع إجباري لصالح المعاشيين هو غير ملزم بها لا قانونياً ولا عرفياً. ما تعارف عليه المواطنون في محلية الشهداء جنوبالخرطوم هو أن يقوموا مقام محليتهم حتى عودتها من مهامها الخارجية المتمثلة في الجباية غير المبررة بالنفايات وغرامات المجاري مفتوحة الخياشيم على هوى القطط والأطفال والأكياس ومياه الغسيل السائل، فالقاطن في حدود محلية الشهداء يعرف تمام العلم أن المحلية تعنى بأشياء أخرى غير الهم العام والمصلحة العامة.. الخ، ويعرف كذلك أن مكتب التعليم التابع لها ينجز مهامه السابقة بالاقتطاع والتغريم والسحب من المعلمين بمبررات غير مستساغة من أساسها ولا تخرج من وزارة التربية والتعليم أو مكتب التعليم في الولاية. إن تولي أمر التعليم داخل المحلية بالشكل اللا مبالي وبطريقة الجباية والضرائب هذه، جعل كثيراً جداً من المدارس فيها تجفف لصالح مدارس أخرى، وجعل المعلمين يشردون بكامل إرادتهم التعليمية إلى محليات أخرى أخف اقتطاعاً وجباية منها، بل جعل كثيراً من المدراء المنقولين إليها يرفضون طلب النقل مبررين ذلك بالبعد الجغرافي، رغم أن بعدها التاريخي كمحلية لا غبار عليه! إن على ولاية الخرطوم مراجعة مثل هذه الأمور التي تخص التعليم في ذات المعلم الذي هو في أصله مظلوم من ناحية التوظيف والتقدير الراتبي له، بمحاسبة المحليات على ما تقوم به حتى وإن كان بنوايا تبدو حسنة بصناعة احتفالات نهاية الخدمة للمعاشيين داخلها، الذين قضوا سنوات خدمتهم فيها، فهذا أمر يقع تحت بند الذوق وحسن التعامل والتوادّ بين المعلمين، لا من باب فرض العين والقطع الجائر..! ومراجعة الظروف المهنية والبيئية التي يعيث فيها التعليم فقراً داخل المحلية، التي من باب الأولى أن يتم الدعم لها والاقتطاع من رواتب الموظفين ذوي العلاوات والإتاوات الكبيرة. إن كبر حجم مشكلة التعليم والمعلمين غير منحصر بالطبع في خلل محلية الشهداء - رغم عظم ما نراه فيها كحالة مدرسة القادسية الشهيرة - ويحتاج إلى وقفة جادة من الحكومة لمعالجته من أصوله بمراجعة الكثير من القرارات والصلاحيات لبعض المحليات والولايات. لكن مسألة الاقتطاع من راتب استحقه المعلم بكامل عرقه وصحته وفكره، لأي سبب كان، فهذا ما يجب التعامل معه بجدية وسرعة، فالراتب أمر يخص الموظف - المعلم، ولا حق لرئيس محليته أو مديره التعليمي أو مدير مدرسته في أن يقتطع منه ولو ببالغ الرجاء. فرجاءًً إذا لم يكن لديكم قليل هم لمعالجة أمر التعليم في محلياتكم كما يجب.. (خلوا عندكم شويّة دم) بترك راتب المعلم له كاملاً، مقابل ما يواجهه عنكم يومياً من فضائح التعليم والمناهج والمدارس!