{ وصلتني هذه الرسالة من ابن جزيرة أرتولي الوفي، إبراهيم محمد الجودي وهو يقف على سفح حدث هائل، مرور عام على رحيل الشيخ محمد الأمين أحمد الفكي علي والذي يوم رحيله اهتزت الأرض تحت تلك القرى الوادعة من مبيريكة وأرتولي والباوقة والتميراب والحلف وحلة يونس وجاد الله وما جاورها، اهتزت بجبالها وسهولها وجزرها وأفئدتها. كما لو أنها كانت قبة الشيخ الكباشي «يوم رحيله» كما وثق ذلك المشهد شاعرنا الراحل عكير الدامر، عليهم جميعاً من الله الرحمة والرضوان، فما أشبه الليلة بالبارحة: خبر الشؤم طلق هز القبب واترجت والنار في الدراويش البترجمو وجت أسراب المعزين بالشوارع قجت وربات الخدور نزعت حجابها وعجت { يقول الأخ إبرهيم الجودي إن الشيخ محمد الأمين، يرحمه الله، كان قمراً في سماء منطقة بربر اتسع نوره وامتد لكل البقاع، فلقد انتقل إلى رحاب ربه يوم السبت الموافق 3/4/2010م بالقاهرة عن عمر ناهز الخمسة وخمسين عاما،ً قليلة هي بعدد السنين، كبيرة وضخمة بجلائل الأعمال من تحفيظ القرآن وإطعام الطعام وإصلاح ذات البين، فلقد تولى الخلافة بعد رحيل والده وكان عمره خمسة عشر عاماً. وامتدت خلافته «لمسجد ومسيد الحلف» لأربعين عاماً ولقد أوقف حياته كلها لطاعة الله وإحياء نار القرآن التي أوقدها أجداده منذ ما يقارب القرنين من الزمان، فلقد تخرجت دفعات كثيرة من مسجد الشيخ «ود الفكي علي» الذي يقع غرب مدينة بربر، فحمل هؤلاء الخريجون لواء القرآن والفقه والتوحيد إلى مناطقهم البعيدة والقريبة، فأصبحوا هم أنفسهم مشاعل لهذه العلوم ولقد سهر الراحل على راحة طلابه وضيوفه وخير القرآن وأنواره، فقد تميزت «مشيخة الحلف» بأدبيات الإصلاح بين الناس، فكم من الخصومات المعقدة المزمنة التي فشلت المحاكم في تسويتها وإصلاحها، تم صلحها وإصلاح ذات بينها على ذات جلسة محضورة صافية بمسجد الشيخ محمد الأمين. إنها المكارم وفضائل الأعمال وجلائلها التي ورثها عن أسلافه، يأتيه الخصوم حزانى فلا يلبثون طويلاً حتى يكونوا إخواناً متحابين على سرر متقابلين، فلقد خص الله سبحانه وتعالى هذه الأسرة الكريمة بإصلاح ذات البين فلا نعرف - نحن المريدين- عملاً أعظم من تعليم القرآن وإطعام الطعام وإفشاء الأمن والسلام والإصلاح بين الناس ودعوتهم للحسنى، فكانت هذه تجارتهم وصناعتهم المتقنة والتي صدروها إلى كل الأمصار. { يوم رحيلة سدت كل المنافذ والأفق ما بين البحر والجبل فاحتشدت الألوف، يتقدمهم الشيوخ الذين أتوا من كل فج عميق وعلى رأسهم مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، لطالما كان هنالك خيط نور وإشعاع يربط مشيخة الحلف بالسادة المراغنة منذ قديم الزمان. { فحرى بنا الوقوف طويلاً عند هذه المحطة ولا ندع هذه المناسبة تمر مرور الكرام لنستذكر فيها تلك الأعمال الجليلة الخالدة ونترحم على فقيدنا الراحل، نسأل الله له منازل الأنبياء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا. { إنها شهادة من العبد الفقير إبراهيم محمود الجودي أحاول أن «أبروزها» وأعلقها على جدار الزمان بأننا وعلى مدار أربعين عاماً شهود على تلك السيرة السمحة وذلك الكتاب الأبيض الذي طويت صفحاته.. «إنا لله وإنا إليه راجعون» ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين