كنت نهار أمس الأول أدلف إلى وزارة الزراعة بشارع الجامعة بالخرطوم، وذلك تلبية لدعوة وصلتني من مكتب السيد الوزير، عندما صادفت مجموعة من الإخوة الإعلاميين معظمهم يدخل وزارة الزراعة لأول مرة، وربما كثيرون في معظم الأحيان لا يعرفون من هو وزير الزراعة قبل السيد المتعافي. والمتعافي، اختلفنا أو اتفقنا معه، هو الرجل الذي أينما حل أحدث حراكاً وخلّف جدالاً، فوزارة الزراعة في بلد الزراعة هي الحقيبة التي كانت تهب لبعض المؤلفة قلوبهم، وربما لولا وجود السيد المتعافي في هذه الوزارة لما سمع الناس بشيء اسمه زهور وتقاوي عباد الشمس، صالحة كانت أم طالحة، فلقد ظلت وزارة الزراعة تراوح مكانها صفراً كبيراً على شمال أرقام اقتصادنا، لكننا لم نسمع يوماً أن وزيراً أو مديراً قد سيق للبرلمان ذات صيف أو شتوي فاشل أو عروة صغرت أم كبرت، فكل هذه الدراما الكثيفة والسيناريوهات المدهشة «والمنتج الإعلامي الهائل» في موسم هذا الصيف مربوط بشخصية الدكتور عبدالحليم إسماعيل المتعافي، على الأقل هو الرجل الذي جعل «لجلسات البرلمان الماسخة» بعض طعم وبعض ضجيج ولون ورائحة، فأنا لا أعرف جلسة برلمانية صاخبة ومرصعة بالورود مثلما كانت «جلسة عباد الشمس». وهو أيضاً الذي جعل أغنية الموسم المفضلة هي «زهرة السوسن»، أو قل زهرة عباد الشمس، فالأرض كلها باسمك الأخضر يا أكتوبر تغني، أين ود المكي ليصنع لنا قصيدة عن «زهرة أبريل» زهرة تعبد الشمس، ويتغنى بها الزّراع ورجال البرلمان، الصحافة نفسها كانت أروقتها، قبل عباد الشمس، لا تصلح لإنبات أي زرع، فلا شغل الآن للصحافة غير الزراعة، وإذا تواضعنا على أن «قضية عباد الشمس» قد ذهبت إلى وزارة العدل التي لا يُظلم تحت ظل عدالتها أحد، فيجب علينا كصحافة ومجتمع وبرلمان ورأي عام أن نستفيد من هذا الزخم لصالح الزراعة، كل الزراعة، زراعتنا التي تبدأ بالقمح ولا تنتهي بالتبغ والتمباك....إلخ. لا أتصور أن تاريخ السيد المتعافي الإداري السياسي والفكري قد بدأ ينمو وينبت مع «زهرة عباد الشمس»، فإذا بدأنا من الآخر، فإن الرجل قد قدم إلى هنا من ولاية الخرطوم، وما أدراك ما ولاية الخرطوم، ولو أن مشروعنا الفكري يسمح، مع امتلاكنا قدراً من الوفاء، لصنعت الخرطوم للرجل المتعافي تمثالاً على غرار «جورج واشنطن»، فهو على الأقل صاحب عبقرية «وضع اللبنات الأولى» لنهضة الخرطوم، هذه النهضة التي برع الدكتور عبدالرحمن الخضر في فن لمساتها الأخيرة، وأنا أعرف أن مثل هذه الأحاديث قد لا تطرب الكثيرين، ممن يرحلّون قضاياهم ومراراتهم الخاصة العالقة إلى «خانة الزراعة»، حالة أقرب لتسوية بعض الأشياء العالقة تحت «شجرة عباد الشمس» وأنها لعمري شجرة غير مؤهلة لصناعة ظل يسع بضعة برلمانيين! فالشمس تشرق في وزارة الزراعة، والرياحين والمطر. أستطيع أن ألخص هذا الجدل في جملة واحدة مفيدة قالها الرجل المتعافي في مؤتمره الصحفي أمس الأول، وهي أن «عمليات عباد الشمس» توريدها وفحصها، قد سبقت مجئ الرجل إلى دسك الوزارة، وشيء آخر أيضاً لا يقل أهمية في تراجيديا هذه القضية وسيناريوهاتها، وهي أن كل المحاصيل لم تسجل درجة نمو جيدة في «موسم زهرة عباد الشمس» لسبب آخر بيئي يتعلق بشح أمطار ذلك الموسم. مخرج.. أقولها ثانية، سجن سجن غرامة غرامة.. لو أن الخرطوم تمتلك بعض وفاء لما خرج منها السيد المتعافي مطالباً إدارياً، ولو أن «برلمان زهرة عباد الشمس» منصف لما خرج الرجل منه مطلوباً قانونياً برغم أنه لم يكن موجوداً في مسرح الجريمة حين ارتكابها وارتبكاها. مخرج أخير.. هنالك أزمة اسمها «المتعافي» في أذهان بعض الأفندية، يا أيها البرلمان قصتنا ليست زهرة عباد الشمس، فقصتنا التي سقطت بالتقادم من ذاكرة البرلمان هي «القمح» والنهضة الزراعية، ما هي قصتنا الجميلة بأزهارها ونخيلها.