{ في الخامس والعشرين من أبريل 1983 ارتفع العلم المصري فوق شبه جزيرة سيناء بعد استعادتها كاملة من تحت نير الاحتلال “الإسرائيلي”، وأصبحت مصر تحتفل سنوياً بتلك المناسبة باعتبارها ذكرى “تحرير سيناء”، علماً بأن احتلال طابا استمر حتى عام 1989. ثمّة جدل ثار وما يزال يثور حول المصطلح، إن تحريراً أو استعادة، باعتبار أن الأول يتم بالقوة العسكرية، والثاني بالتفاوض مع المحتل. البعض يعتبر أن في الأمر مزيجاً من الاثنين باعتبار أن مفاوضات ومعاهدة كامب ديفيد بين نظام الرئيس الأسبق أنور السادات و”إسرائيل” تمت مسنودة بالانتصار العسكري في حرب أكتوبر 1973، وإذا أخذنا بهذا العامل، فإننا يجب ألا نعزل أيضاً ما سبق تلك الحرب عن سياقها التحضيري الذي بدأ في عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وإطلاقه حرب الاستنزاف بعد فترة قصيرة من هزيمة 1967 وكان من أبرز معالمها المشرقة عملية إيلات في 16 نوفمبر عام 1969 عندما نجحت كوكبة من أبطال الضفادع البشرية المصرية في تدمير السفينتين “الإسرائيليتين” (بيت شيفع) و(بات يام) والرصيف الحربي، وعادوا باستثناء أحدهم الذي استشهد. { ليس هدف الجدل أية نية في التقليل من أهمية عودة أي شبر من الأرض العربية المحتلة، وليس هدفه الفصل بين ما سطّره أبطال الاستنزاف وحرب أكتوبر من بطولات ميدانية لقّنت “الإسرائيليين” دروساً لن ينسوها. لكن الجدل يدور في الدائرة السياسية، لأن القيادة السياسية في العادة هي المنوط بها تحويل الإنجاز العسكري إلى إنجاز دبلوماسي، أو كما يقولون “البندقية تزرع، والدبلوماسية تحصد”. كانت عودة سيناء جزءاً من عملية كاملة تمخّضت عن إخراج مصر من الصراع العربي - الصهيوني كمقدّمة لمسلسل تراجع متراكم لدورها الريادي والقيادي عربياً وإقليمياً ودولياً. إذن لم تكن الاستعادة بلا ثمن، إنما بثمن باهظ لعدو لم يتوقّف عدوانه بعد تلك المعاهدة، بل تصاعد تكراراً ضد الشعب الفلسطيني عبر حملات القبضة الحديدية والاستيطان الذي شهد حملات جنونية ما زالت مستمرة إلى الآن، إضافة إلى سلسلة اعتداءات متكررة على لبنان والغارة الجوية على العراق حين قصف المفاعل النووي، وتونس حين دمّر مقر منظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم اغتيال القيادي خليل الوزير “أبو جهاد” وبعده صلاح خلف وهايل عبد الحميد والعمري. { وفي الحقيقة، ليس الجدل بشأن التحرير والاستعادة لغوياً، بل له إسقاطات على جبهات أخرى حيث راق كثيراً لمتحدثين وسياسيين فلسطينيين تسمية الأراضي التي أعاد الاحتلال نشر قواته فيها وفق اتفاقية أوسلو “أراضي محررة”، في حين كان يقيم الحواجز على مداخلها ويتحكّم بكل حركة دخول وخروج إليها ومنها. { ولا يعني هذا التوصيف لاستعادة سيناء تفريغ الاحتفال بالذكرى من محتواه، بل، وبالتحديد، تجنّب الاستخدام السهل للمفاهيم، الذي لجأ إليه البعض لتمرير سياسات بعيدة عما تربينا عليه. ومهما يكن من أمر، بعد ثورة 25 يناير أصبح للاحتفال باستعادة سيناء معنى الاحتفاء بالتحرير، لأن مصر تحررت وهي في طريقها لأخذ دورها القيادي الذي انتظرناه طويلاً، وبات أعداء الأمة يضعون في حسبانهم التغيير التاريخي الناشئ في موازين القوى. حتى لو تحفّظ القادة الجدد في تصريحاتهم، فإن مصر التي نعرفها، مصر التي في خاطرنا، تتحدّث عن نفسها الآن بلغة التحرير. أمجد عرار