تفاقمت مشكلة نزع الأراضي في الجزيرة والمناقل وأخذت قضية هذه الأراضي بعداً جديداً بعد تنظيم اعتصامات احتجاجية للملاك أمام مبنى رئاسة المشروع ببركات مطالبين بصرف استحقاقات الإيجار ورفضهم لبيع الأرض ويرون أن تبعد إدارة المشروع وتتولى السلطة القضائية هذا الملف. إن أرض المشروع قد تم إعمارها بتحويلها من الزراعة المطرية إلى الزراعة المستدامة ولا يمكن أن تحسب للدولة بمفردها بل ساهم فيها كل مجتمع المزارعين وأسرهم بما فيهم الملاك والملاك المزارعون بصفة مباشرة وعليه فإن قيمة الأرض لا يمكن تجزئتها ولا يمكن النظر إليها ومعاملتها إلا كوحدة إنتاجية في ظل المتغيرات التأريخية، كما أن هذه الأراضي قد تحولت من أراضٍ مطرية إلى أراضٍ مروية بواسطة الحكومة البريطانية والشركة الزراعية وحكومة السودان منذ (1914) وعلى ثلاث مراحل وفي كل الدولة وفي إطار سياستها لتشجيع الاستثمار بمنح الأراضي مجاناً أو بسعر رمزي للمزارعين والمستثمرين، وقالوا إنه ليس من الحكمة والعدل وتكافؤ الفرص أن تعامل الحكومة فئة من المزارعين معاملة مختلفة لأنهم طالبوا بحقوقهم في الإيجار والتعويض عن أراضيهم التي وضعت الدولة يدها عليها. وأوضحوا أن البيانات والمسح الميداني وبيانات ومعلومات مكتب تسجيلات الأراضي أكدت أن قيمة الأرض المطرية حول مشروع الجزيرة لا تختلف إنتاجياً عن قيمة الأرض المروية داخل المشروع وأن الأرض التي يزرعها الملاك كحواشات كجزء من أراضيهم الملك التي وزعت بواسطة الحكومة لمزارعين آخرين من المشروع تمت معاملتها من قبل الدولة عبر تاريخ المشروع باعتبارها أرضاً حكومية خالصة ينطبق عليها ما ينطبق على أراضي الدولة ولا يتمتع المزارع (المالك) بأي حقوق إلا في حدود علاقات الإنتاج وإيجاره السنوي إيفاءً باتفاقية المزارعة، وتساءلوا: هل تملك إدارة المشروع صلاحيات إلغاء قرارات اللجنة العدلية وإلغاء قرارات رئيس الجمهورية؟ إلا أن مجلس إدارة المشروع حدد الأول من يوليو القادم موعداً لصرف التعويضات بالأسعار التي حددتها اللجنة الفنية وصادقت عليها المجلس الأعلى للنهضة الزراعية وتحدى المجلس بعض الملاك المناوئين للأسعار والرافضين للبيع بطرح (القروش) على شباك الصرف والأمر متروك لأصحاب الملك. وفسر العديد من المهتمين بهذه القضية الشائكة ذلك بأنه تكتيك لكسر صف الملاك. وكان نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، رئيس المجلس الأعلى للنهضة الزراعية، قد وجه وزارتي المالية والزراعة، وبنك السودان وإدارة مشروع الجزيرة، بإعداد مقترح لمعالجة قضية أراضي الملك الحر بمشروع الجزيرة، ودعا إلى ضرورة الإسراع في صرف مستحقاتهم قبل انطلاقة الموسم الصيفي. ومن جانبه قال رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة؛ الشريف بدر، إنهم في الترتيبات النهائية لإعطاء كل ذي حق حقه تنفيذاً لتوجيهات نائب رئيس الجمهورية، وتابع: سنطرح عمليات الصرف عبر الشباك والأمر متروك للملاك، وأردف: لا توجد نقابة تمثل الملاك، إنما المسألة فردية، من شاء يرفض ومن شاء ينال حقوقه. فيما تمسك أصحاب الملك الحر بعدم بيع أراضيهم للحكومة، ووجهوا الانتقادات إلى مجلس إدارة المشروع ونعتوه بالفشل، وقال رئيس لجنة مبادرة ملاك أراضي (الجزيرة والحرقة ونور الدين) أحمد حمد النعيم، إن تسوية مجلس إدارة المشروع مسرحية مخرجها الشريف بدر وبطلها صلاح المرضي وممثلوها موظفو اللجنة الفنية. وقال النعيم ل(الأهرام اليوم) إنه لا يوجد قانون يجبر البائع على أن بيع أرضه بقيمة يحددها المشتري، وأضاف أن خطوات الحكومة تجاه نزع الأراضي يحرمها الشرع وتتنافى مع دولة العدالة والقانون، واعتبر التسويات مصادرة وتغولاً علنياً على أراضيهم، وتساءل: «كيف تنزع أراضينا لتعطى لآخرين؟». وقال عضو اللجنة عثمان مصطفى تاتاي إن القوانين الوضعية تنصف الملاك بتقييم مجز يتراضى عليه الطرفان، واعتبر أن هضم مستحقات الإيجار بدعاوى صرف الحكومة على المشروع دليل على الظلم والجور، وأكد أن ما صرف على المشروع لا يمت بصلة للملاك، ورفض تاتاي اتهامهم بتسييس القضية. ودعا الملاك نائب رئيس الجمهورية علي عثمان طه إلى مراجعة تقرير لجنة التسويات من جديد لإنصاف المزارعين، واشترطوا تسلم تعويضاتهم وفقاً لتقييم اللجنة العدلية التي حددت قيمة الإيجار ب (2.300) جنيه للفدان و(3,840) جنيهاً لنزع الفدان. وأعلن عضو لجنة الملاك بشرى الطاهر حرير رفضهم تسلم أي مبالغ بحسب المقرر صرفها. ويشير ممثل ملاك الأراضي الوليد عمر عباس إلى وجود شخصيات نافذة تسعى للاستيلاء على أراضي أصحاب الملك الحر بأساليب وطرق وصفها ب«الشيطانية»، موضحاً أن الملاك الذين بحوزتهم أوراق ثبوتية دالة على امتلاك هذه الأراضي بمعالمها قد تقدموا ببلاغ للسلطات الرسمية بدون جدوى. في السياق تظاهر عدد من الملاك أمام رئاسة المشروع محتجين على عدم دفع مستحقات إيجارات أراضيهم وعدم تعويضهم العادل، وعلى قانون سنة 2005م الذي قلل من صلاحيات الملاك وعتم على علاقتهم بإدارة المشروع، إضافة إلى رفع الدعم الحكومي عن الزارعة. وهتفت التظاهرة بسقوط الوالي واتحاد المزارعين. وواجهتها الأجهزة الأمنية بالغاز المسيل للدموع. وخوفاً من اتساع الاحتجاجات دعا والي الولاية إلى اجتماع مع المزارعين المحتجين. وأصدر المحتجون بياناً، حصلت صحيفة (الأهرام اليوم) على نسخة منه، طالب بصرف الإيجار وتحديد قيمة النزع حسب اتفاق اللجنة العدلية البالغ 6.140 جنيهاً، مع مراعاة تأخير الصرف وارتفاع الأسعار وجبر الضرر عن الفترة السابقة، مشيرين إلى التعويض الذي تم لأصحاب الأراضي المطرية. وهدد الملاك حسب البيان بعدم استغلال الأرض وزراعتها هذا العام في حالة عدم الالتزام بدفع الاستحقاقات فوراً حتى العام 2001م، مؤكدين معاناتهم في سبيل استرداد حقوقهم المشروعة في أراضيهم الملك الحر التي كانت سنداً للسودان لأكثر من ثمانين عاماً. وفي السياق أعلن المجلس أنه شرع في إجراءات توفيق أوضاع ملاك أراضي المشروع بافتتاح مكتب دائم لسجلات الأراضي في بركات، مشيراً إلى أن المجلس طلب قرضاً للإيفاء بحقوق الملاك بضمان وزارة المالية وبنك السودان. وأوضح رئيس المجلس أن روابط مستخدمي المياه بالمشروع يمكنها أن تتسلم مهامها في خدمات الري من إدارة المشروع. وقال إن كلفة الإنتاج التي تجمع تظل في حساب الرابطة لمواصلة حركة تنمية المشروع. وأشار الشريف إلى أن البرامج المستقبلية للمشروع تتمثل في إعادة محصول القطن لدائرة الإنتاج وفق خطط وترتيبات جديدة في مساحة كلية تقدر بحوالي 350000 فدان، بالإضافة إلى إدخال محصول قصب السكر وبنجر السكر كمحاصيل إستراتيجية في مساحة 220000 فدان لتغذي خمسة مصانع لإنتاج السكر بالولاية، بينها مصنع لسكر البنجر. وشدد على دور الإدارة في تشجيع التنوع في التركيبة المحصولية بالمشروع عبر شراكات مباشرة مع المزارعين. وألمح الشريف إلى أن المشروع سيدخل في شراكات مع أربع شركات خاصة تجري ترتيباتها بالتنسيق مع وزارة الزراعة والبنك الزراعي وفق موجهات القانون. وتقدر أراضي الملك الحر في مشروع الجزيرة والتي سيتم التعويض عنها بحوالي 843000 فدان من جملة 2.2 مليون فدان هي جملة مساحة المشروع. وقدرت اللجنة الفنية لتوفيق أوضاع الملك الحر بفريق التخطيط والتنسيق في المشروع قيمة التعويض النقدي لأصحاب الملك الحر بواقع 1585 جنيهاً للفدان الواحد بناء على المسوحات التي نفذتها اللجنة بالمشروع. هذا وقد أكملت إدارة المشروع ملفات الإصلاحات الإدارية التي أوصى بها قانون مشروع الجزيرة للعام 2005م وإنزالها إلى أرض الواقع، وسلمت الجهاز القضائي المكاتب الخاصة بسجلات أراضى مشروع الجزيرة ببركات حسب توجيهات نائب رئيس الجمهورية لتوفيق أوضاع أراضي ملاك الجزيرة. وجدد رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة الشريف أحمد عمر بدر في حديث ل(الأهرام اليوم) التأكيد على بدء صرف مستحقات ملاك أراضي مشروع الجزيرة والمناقل يوم 1/6/2011م بعد توفير المال اللازم من محفظة البنوك بقيمة 200 مليون جنيه، مؤكداً حرص إدارة المشروع على تنفيذ كافة الملفات الإصلاحية لرفع الإنتاجية والعمل على تحقيق الأهداف المرجوة من قانون 2005م ،وقال إن افتتاح مكتب خاص لسجلات الأراضى يجئ من أجل إعطاء كل ذي حق حقه، ولتأكيد أن (الحساب ولد». وأعلن بدر زراعة 350 ألف فدان بمحصول القطن هذا العام و220 ألف فدان بقصب السكر. من جانبه، أكد مدير عام مسجل أراضى السودان، عبدالرحمن على عبدالله، مباشرة العمل بالمكتب الخاص بسجلات أراضي ملاك مشروع الجزيرة في العاشر من هذا الشهر بعد تسليم إدارة المشروع كافة المطلوبات اللازمة للجهاز القضائي للبدء الفوري في توفيق أراضي الملاك.