{ وكالمعتاد، تفتح هيئة المستشارين ملفاً جديداً من الملفات القومية الهامة، للبحث والتفاكر حول أقصر الطرق نحو تحقيق ضمان ولاء القبائل الحدودية، وهذا من خلال حلقة التداول التي دُعينا لها مؤخراً في إطار مهددات وتحديات الأمن القومي لتحديد رؤية استراتيجية تقود بالضرورة لتأمين الوطن والمواطنين. { ولا يخفى على أحد أننا كسودان جديد بعد انفصال الجنوب وبخارطة جغرافية جديدة أصبحنا أكثر عرضة لتهديدات القبائل الحدودية أو المشتركة مع دول الجوار، وهذه التهديدات تشمل التهديدات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية معاً. وقد أتت الدراسة المعدة مسبقاً كدراسة احترازية التي كانت محور التداول على درجة عالية من الدقة والتفصيل، بحيث كانت شاملة ضافية ووضحت أبعاد المشكلة تماماً ووضعت الحلول المناسبة كما يجب بحيث أنها تحتاج لإفراد مساحة أكبر للعرض قد تتجاوز مساحة هذا العمود المتواضعة. لهذا سنحاول أن نسلط الضوء على ما تمّ تداوله بشيء من التلميح إذ أن التمحيص يتطلب أن يطلع كل مواطن على هذه الدراسة الدقيقة للوقوف على حجم المشكلة وأبعادها، وأنا على ثقة من أن كل ما يلزم للتعريف بهذه القضية والتوصيات التي وضعت لها سيجد فائق العناية من شباب هيئة المستشارين الذين يتمتعون بالوعي اللازم والحكمة الكفيلة ببحث طرق تصعيد هذه الدراسة وتعميم الفائدة منها كما عودونا. { وكلنا يعلم أن السودان الشمالي يقع تماماً في قلب الخطر، ويتعرض لجهود مكثفة من جهات معادية تهدف لتمزيقه والنيل منه، وبهذا تكون القبائل الحدودية والمشتركة مع دول الجوار سلاحاً قوياً يمكن تجنيده لتحقيق أغراض تلك الجهات المعلومة والخفية. وبهذا يمتد خطرها لينال من أوضاع الشأن الداخلي، وهذا يستوجب أن نتوقف لنبحث عن وسائل إيجابية لضمان ولاء تلك القبائل والحد من خطرها والتعامل مع ثقافاتها الوافدة وعاداتها وتقاليدها، وكلنا يدرك ما يترتب على التداخل والتزاوج والتهريب والتسليح من إفرازات وأزمات وترهيب وزعزعة للأمن والاستقرار الداخلي. { وبعد أن أوردت الدراسة تفصيلاً دقيقاً لما يترتب على العلاقة بيننا وبين كل القبائل الواقعة في محيطنا من جميع الاتجاهات، أوردت العديد من التوصيات والمعالجات التي سنتناول بعضها على سبيل المثال، وهي معالجات سياسية واقتصادية واجتماعية تتحرك جميعها داخل إطار إيجابي لاستمالة تلك القبائل، فسياسياً علينا تشكيل آلية لتأمين الحدود وتكوين مفوضية للحفاظ على الحقوق القانونية على الحدود، ودعم المنظمات الطوعية في مجال التنمية، وإشراك القيادات الأهلية في تصريف الأمور، وتبني الدولة لخطة عمل استراتيجي لدعم البنى التحتية والإعمار والخدمات في مناطق التماس، وغيرها. أما اقتصادياً فمن الضروري العمل على محاربة الفقر وتطوير وتعمير المناطق الحدودية المشتركة، وتشجيع التجارة الحدودية وضبطها مكافحة للتهريب، وحفر الآبار الارتوازية، ومنح قضية التنمية المتوازنة الاهتمام اللازم. وفيما يتعلق بالشأن الاجتماعي يجب أن نعمل على الاهتمام بالتنمية البشرية وتقليل حجم الفاقد التربوي، والاهتمام بالبرامج الإعلامية التي تدعم الروح الوطنية والوحدة على أن تتصف تلك البرامج بالاستمرارية والموضوعية، بالإضافة لذلك يجب معالجة قضايا النازحين ومحاولة حل مشاكلهم وتوفير الظروف الملائمة للعودة الطوعية لمناطقهم الأصلية، وضرورة تسهيل فرص التعليم العام والعالي لأبناء تلك القبائل، الاهتمام بالصحة العامة، إنجاز العدالة الاجتماعية، ونشر وتعزيز ثقافة التعايش الديني، والاهتمام بأمر المرأة لدورها المؤثر في المجتمع، إبعاد شبح الصراعات الدموية والعنف وتطوير اللغات واللهجات المحلية. { أما أمنياً، فلا بد من تكثيف الإجراءات الأمنية، وتعميم تجربة إنشاء الوحدات النظامية على الحدود بين القبائل، الاهتمام بالعمل الاستخباري والعمل على إجهاض محاولات التمرد. { هذا، وقد شهدت جلسة التداول العديد من المداخلات المتخصصة ورفعت أكثر من مذكرة وتوصية، علماً بأن ما ورد في الدراسة يُعد من الأهمية والحساسية والخطورة بمكان يتطلب ضرورة إجراء المزيد من التمحيص واتخاذ ما يلزم بكافة السبل للسيطرة على الأوضاع وتلافي ما لا يحمد عقباه. { تلويح: هنا السودان، القطر الأكثر تعدداً إثنياً وقبلياً، والأكثر استهدافاً، وأكثر حوجة لتكاتفنا وتعاوننا وإحساسنا بالوطنية والعمل على استمالة المؤلفة قلوبهم.