احتمت بعثة الأممالمتحدة في السودان «يونميس» بمجلس الأمن الدولي بعد أن طالبتها الحكومة السودانية بحزم أمتعتها استعداداً للرحيل قبل نهاية الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو القادم. وقالت المتحدثة باسم البعثة «هوا جيانغ» إن استمرار البعثة في السودان بعد الانفصال بيد مجلس الأمن وليس الحكومة السودانية، وجاء رد الحكومة عليها على لسان أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني الحزب الحاكم؛ بروفيسور إبراهيم غندور، بقوله إن أي حديث حول التمديد دون موافقة السودان ليس له أي علاقة بالحقيقة وميثاق الأممالمتحدة، في إشارة منه إلى أن قوات البعثة (يونميس) دخلت للسودان بموافقته تحت الفصل السادس لميثاق الاممالمتحدة، وهذا ما أشار إليه خالد موسى الناطق الرسمي باسم الخارجية، مبرراً طلب الحكومة لبعثة الأممالمتحدة بالاستعداد للرحيل قبل التاسع من يوليو بأن هذا الطلب جاء بناء على الاتفاق المبرم بين الحكومة والبعثة، مما يعني أن نشر قوات يونميس في السودان تم بموافقة الحكومة وفقاً لمبادىء سيادتها الوطنية ومصلحتها القومية العليا. وأشار موسى إلى أن وزير الخارجية علي كرتي، قد بعث خطاباً رسمياً إلى الأمين العام للأمم المتحدة بقرار الحكومة إنهاء وجود بعثة الأممالمتحدة «يونميس» في السودان وشكره على دورها الذي قامت به في تطبيق اتفاقية السلام وإرساء دعائمه في السودان، مما يعني أن السبب الظاهر في مطالبة الحكومة للبعثة بالرحيل هو انتهاء فترتها، كما يظهر من الجدل الدائر، غير أن هناك أسباباً خفية جعلت الحكومة تستعجل البعثة بالرحيل وهو ما أوردته الصحف وبعض المواقع الإلكترونية، بناء على تصريحات ما أسمته بمصدر حكومي رفيع أن الحكومة من خلال متابعتها لأداء يونميس تكشف لها أنها قد تجاوزت صلاحياتها والتفويض الممنوح لها، ما جعلها غير محايدة بدعمها للحركة الشعبية في اعتداءتها المتكررة على أبيي؛ بتوفير الدعم اللوجستي والتمويل لقوات الجيش الشعبي وتوفير الغطاء الاستخباري عبر الأقمار الصناعية ومراقبة تحركات القوات المسلحة بشمال السودان ومما ساعد أيضاً حركات دارفور خلال تنقلها بين دارفور ومدن الجنوب.. وهنا يأتي السؤال: هل ما يجري من جدل بين البعثة والحكومة نذر لبداية أزمة وشيكة النشوب بين الحكومة السودانية ومجلس الأمن تحاول البعثة «يونميس» جر الطرفين للدخول في نزاع حولها حتى تضمن فترة وجود لها في السودان لحين حسم النزاع الذي تمهد له بينهما، خاصة أنها دخلت إلى السودان ليس بقرار من مجلس الأمن حتى يقرر باستمراريتها وإنما بموافقة الحكومة السودانية. ويرى الخبير الاستراتيجي والأمني؛ اللواء «م» حسن بيومي، أنه من الأفضل أن يتم تمديد فترة بقاء بعثة الأممالمتحدة «يونميس» لثلاثة أشهر جديدة في السودان الشمالي بعد الانفصال لحين حسم القضايا العالقة، بدلاً من اللجوء لفرضها بالفصل السابع والدخول في نزاع مع مجلس الأمن، ويضيف: حتى إن خرجت البعثة من الشمال سيتم قبولها في جنوب السودان، مبيناً أن ما يجري الآن في أبيي لخلق ظرف لاستمرار بعثة يونميس لكن دخول الجيش لأبيي أفشل هذا المخطط وخلق وضعاً مغايراً لما هو مخطط له. وعن هدف حكومة الجنوب من الإبقاء على بعثة يونميس يقول: لاستخدامها كعازل واقٍ للجيش الشعبي إن وقع احتكاك بين الشمال والجنوب، وقد يصطدم الشمال بقوة خارجية وليس جيش الجنوب في حال أي تصعيد في أي مرحلة من مراحل معالجة القضايا العالقة. غير أن بيومي عاد مرجحاً أن يكون الضغط الذي تمارسه الحكومة على بعثة الأممالمتحدة الآن للحصول على مكاسب أكبر في تسوية مشكلة أبيي طالما أن الكرة الآن في ملعب الحكومة بعد الاعتداء على قواتها وختم: هذه التصريحات إحدى وسائل هذا الضغط. ويقول الأستاذ عثمان عمر القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل إن الشمال بعد التاسع من يوليو القادم سيصبح دولة ذات سيادة ولها حق التصرف في أراضيها وطالما أن فترة البعثة قد انتهت من حقه أن يرفض التجديد لها طالما أنها جاء بناء على طلبه. وعن إصرار الأممالمتحدة على بقاء بعثتها يقول عثمان إن لها تقديرات بأن الوضع قد يؤدي لاحتكاك بعد اكتمال الانفصال طالما هناك قضايا لا تزال عالقة ما لم تحل، خاصة أبيي وغيرها من القضايا، ولم يستبعد أن تلجأ الأممالمتحدة لاستخدام الفصل السابع من ميثاقها لإبقاء بعثتها إن اصرت الحكومة السودانية على موقفها الرافض لتمديد فترة بقائها، ويضيف أن استخدام الفصل السابع غير متاح دون إجماع من أعضاء مجلس الأمن عليه وهذا الإجماع يتطلب مناقشة كل الظروف المحيطة بالواقع وهذا ما يجعل مجلس الأمن في الوقت الراهن بدون مبرر لرفض طلب الحكومة برحيل البعثة طالما أنها دخلت بموافقتها لأداء مهمة محددة وقد انتهت. ويذهب بروفسيور يس عمر؛ الخبير في القانون الدولي، إلى أن ما يسند الحكومة في حجتها برفض استمرار قوات يونميس بعد انتهاء مهمتها أن وجودها كان عملية استثناء من مبدأ سيادة الدولة طالما أن هناك ضرورة أملت على الحكومة قبولها لمراقبة تطبيق اتفاق السلام وقد انتهت هذه المهمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يجوز في القانون التوسع في هذا الاستثناء، ويضيف الآن لا يوجد مسوغ لوجودها بعد انفصال الجنوب واحتواء مشكلة دارفور، وهذا ما يجعل مبررات الحكومة في رفض استمرار هذه القوات صائبة ومقبولة. وعن الأوضاع والحالات التي يتخذ فيها مجلس الأمن قراراً ببقاء هذه القوات تحت البند السابع لميثاق الأممالمتحدة قال: في مثل وضع هذه الحالات لا يوجد مبرر لاتخاذ مثل هذا القرار من قبل مجلس الأمن منفرداً لبقاء هذه القوات دون استشارات ورضاء الحكومة السودانية لأنه لا يوجد ما يهدد الأمن والسلام الدوليين حتى يتدخل مجلس الأمن تحت البند السابع. وفي الختام يبقى التساؤل حول: إذا لم تتوصل محادثات أديس أبابا التي تجري بين الطرفين الآن لحلول حول أبيي والقضايا العالقة التي لم يكتمل إنجازها خلال الفترة الانتقالية، هل ستسعى الدولتان لتوقيع اتفاق جديد لاستكمال استحقاقات اتفاقية السلام المنتهية الصلاحية أم ستصبح مصدر صراع بين الدولتين وتكون احتمالات العودة للحرب مفتوحة، خاصة بعد ذهاب البعثة التي يبدو من حديث الذين استنطقناهم أن ما ذهبت إليه الحكومة في طلب رحيلها صحيح «100%» وقد مارست سلطاتها السيادية؟.. وهل سنشهد أزمة قوات دولية جديدة شبيهة بالتي حدثت لقوات يونميد قبل دخولها دارفور؟!.