بدءاً نتناول حروف كلمة وطن.. حرف الواو مضمخاً بمذاق قهوة الشرق وحلاوة كول الغرب ونكهة ملوح الشمال وطعم بفرة الجنوب الذي بعُد. يتسامى حرف الطاء مرتفعاً ليغازل النجوم بالمفردة الفكرية والتسبيحة الروحية عن ذلك التعايش الحميم مابين الألوان والثقافات والأعراق والديانات والمشارب والمناخات. ويكتمل حرف النون سوراً معنوياً عالياً ولياقة نفسية سامية، تقينا مغبة براثن التبعية والاستلاب الأجنبي والاحتراب والتشرذم والتقسيم وفنون الانكسار وألوان العذاب. نعم، هذه هي الحروف الطاهرة في ذاتها، المعطرة لغيرها، والمكونة بقرائنها الصرفية لكلمة وطن، وحينما نتأمل بعين المسح البصري في معرض الدنيا نراه أخضر حياً دافقاً، لأنه آخا في صدق حميم ما بين الأديرة والمزارات والكنائس والمسلات والمساجد ودور العبادات، وحينما جلسنا في مدرسة محبته لننتهج مكونات روعته اندلق علينا عطر حروفه براءة وطهراً وعفة، وعندما شببنا عن الطوق أدركنا أن المعنى الفكري واضح على المستوى الجغرافي والتاريخي، وفي تلك الرؤية الفلسفية للطموح التي تجعله يحادث في حوار متحضر حاضره الصاعد بماضيه الماجد عن مستقبله الواعد، بل يشب فينا حريق عشقه فندرك أننا قد تجاوزنا ذواتنا وصرناه.. وصرنا مصدر تبره وترابه، فرحه وعذابه، نيله ونجومه ونخيله وهضابه.. عنفوانه وشبابه.. مسلمين له دواخلنا ليفعل بنا فعله الإبداعي الممتد، فكتبنا حرفاً من خلود« قدور» وظروف «فضل الله» وشجن «بازرعه» وكلمة «محمد يوسف موسى»، ثم غمسنا في نهر المعرفة، فانصهرنا في إسلام الأفارقة وإيمان العروبة وإحسان السودان والأشواق الوطنية العميقة للحفاظ عليه. إذن هي رسالة وأمانة ورثناها عن أجدادنا وآبائنا ونورثها لأبنائنا بذات الرؤية والفهم العميق في حبه والحفاظ عليه. فيا أهل السودان الوطن الكبير، فلنعمل من أجله ونعيش في خيره ونموت من أجله، ودونكم سقف الجاهزية على مستوى كل الأصعدة. هذا قليل من كثير يكمن في الدواخل، يحمل صورة الوطن الجميل، ونحاول التعبير عنه لنقرأ عليكم ما بين السطور، واللبيب بالإشارة يفهم. والله من وراء القصد