صاحب هذه الملاذات من الذين يزعمون بأن (نهاية التغيير) و(الثورات العربية) هو بداية (الثورة الكبرى) ضد الدولة العبرية والمصالح الأمريكية في المنطقة، فعلى الأقل يمكن الاستشهاد بأن بعض معالم هذا الطريق إلى الثورة الكبرى، هو أن الشعوب العربية تثور الآن على (الرؤساء العملاء) للموساد والأمريكيين، فضلاً عن أن التكبيرات والشعارات الإسلامية هي واحدة من أشهر الأسلحة التي تستخدمها هذه الشعوب في التعبير عن نفسها وعن مستقبلها ووجهة ثوراتها و... و... وتكمن (أزمة الغرب) الكبرى في أنه لا يعرف هذه الأمة بما يكفي لوضع خططه وإستراتيجاته، ولنا في الجماهيرية الليبية المثل الأنصع، فلقد تصور الغرب أن (أربعة عقود) من حكم العقيد القذافي تكفي لإخفاء كل الجذوات الليبية الإسلامية، فلذلك نهض في بادئ الأمر بقوة لمساندة الثوار وإقصاء العقيد على افتراض أن المنتظر أكثر علمنة وأمركة، ولكن كانت المفاجأة التي ألجمت الغرب الكبير، هو هذه التكبيرات والتهليلات (والذقون) التي تلوّن الثورة الليبية، فتراجعت واشنطن وتقاعست صويحباتها الغربيات، إذ لا يعقل أن تحالفاً من عشرين دولة كبرى يفشل في هزيمة (دويلة باب العزيزية)، وبدأ الغرب كما لو أنه يطيل من أمد هذه المعارك بين الليبيين، حتى تدمر كل البنيات وتستنفد القدرات، لتخرج في نهاية المطاف من أتون هذه المعارك (دولة ضعيفة) لا تقوى على شيء فتوضع تحت الوصاية الدولية، وذلك إن لم تنته الجماهيرية إلى (دويلات إثنية قبلية) تقتل بعضها بعضاً. ولكن القصة المحيرة أكثر هي مصر العزيزة، مصر التي أطاحت بأعظم عميل إسرائيلي وأمريكي في تاريخ المنطقة و(العمالات) الحديثة، وأنا شخصياً لا أعرف رجلاً عربياً قدم خدمات باهظة وعظيمة لأعداء هذه الأمة مثلما فعل العميل حسني مبارك، والله يمهل ولا يهمل، فعلى الأقل هو القائد الذي جعل من غزة سجناً كبيراً توفرت فيه كل أسباب الشقاء والعناء والموت البطيء لشعب بأكمله، لتهنأ إسرائيل في المقابل بالأمن والرفاهية والاستقرار. فلقد ظل الرجل مبارك وفياً لكامب ديفيد وحارساً عنيداً للبوابات التي تجلب الحياة للشعب الفلسطيني، بوابات ومعابر رفح، بل لقد ظل عقبة كؤود في طريق إعادة اللحمة الفلسطينية والمصالحة بين حماس وفتح، لقد حافظ دائماً على مصالح إسرائيل وإشهار علمها في سماء الأزهر الشريف، وفي المقابل تنكيس كل رايات الإخوة الاعداء. وواشنطن لو خيرت لاختارت أن يكون مبارك رئيساً أبدياً لمصر، ولكنها تملك من الذكاء ما جعلها تنضم إلى الثوار لما رأت عرش رجلها يتهاوى، وذلك لعلها تجد موطء قدم في (مصر الجديدة). لكن الثورة المصرية ذهبت في الاتجاه المعاكس، فعلى الأقل أن هنالك عدة مؤشرات سالبة أضحت تقلق واشنط، فلم ينس (شباب ميدان التحرير) أن يخصصوا جمعة بأكملها لصالح فلسطين، بل الزحف باتجاه المعابر، وكان الرئيس مبارك يبيع الغاز المصري بثمن بخس لليهود، فتعالت الأصوات مرة لمعالجة هذا الوضع ومرات بقطع الغاز نهائياً عن دولة بني صهيون التي هي في حرب مع الأمة. غير أن الضربة الكبرى قد تبلورت في الدعوات التي تنادي بالخروج عن ثقافة كامب ديفيد برمتها و... و.... فآخر التصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي تقول: «لا يمكن أن نتفرج على مصر وهي تخرج من بين أيدينا»، وفي المقابل فإن آخر (التطبيبات والتطمينات) الأمريكية ذهبت لعقد وتفعيل (جمعية للصداقة والمصالح الأمريكية اليهودية)؛ تلك التي صدع فيها الرئيس أوباما بأنه لن يترك إسرائيل تحت تهديد (ربيع الثورات العربية) ويا له من ربيع. وللحديث والربيع والأشواق بقية..