يرى البعض أن سفر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج لإصابته في محاولة جرت لاغتياله أثناء صلاة الجمعة بمسجد المجمع الرئاسي في العاصمة صنعاء سوف يكون خروجاً بلا عودة.. لكنهم يختلفون في ما سوف يحدث في اليمن بعد هذا السفر الذي أُضطر إليه الرئيس صالح بل إن أوسع الناس خيالاً يعجز عن تصور ما سوف تؤول إليه الأوضاع فاليمن بلد شديد التعقيد ويقولون إنهم ربما كانوا الشعب الوحيد المسلح حتى الأسنان. وكان اليمن حتى عام 1962 بلداً إمامياً موغلاً في العصور الوسطى معزولاً عن العصر وبعد الانقلاب العسكري الذي حدث في سبتمبر من ذلك العام انتقل اليمن للنظام الجمهوري وأصبح اسم البلد الرسمي هو الجمهورية العربية اليمنية لكنها جمهورية كُتب عليها منذ نشأتها ألا تنعم بالاستقرار فقد عانت حربين أهليتين، الأولى في الستينيات بين الجمهوريين الذين كانت تدعمهم الجمهورية العربية المتحدة.. وهذا هو اسم مصر الرسمي في ذلك الوقت وكان غريباً أن تتمسك به مصر بعد انهيار الجمهورية العربية المتحدة بانفصال سوريا عنها في سبتمبر 1961م. وكان الطرف الآخر في الحرب الأهلية اليمنية في ذلك الوقت من الستينيات هم الملكيون أنصار الإمام البدر وكانت تساندهم المملكة العربية السعودية.. ثم اندلعت الحرب مرة ثانية في التسعينيات بين الشمال والجنوب.. وعمر النظام الجمهوري الآن نصف قرن تقريباً ورغم اخفاقاته إلا أن الجميع متفقون عليه ولم يرتفع صوت واحد منادياً بعودة أسرة حميد الدين إلى الحكم.. لكن النظام الجمهوري في عهد الرئيس علي عبد الله صالح همَّ بتوريث الحكم على غِرار ما حدث في جمهوريات عربيات أخرى. ومن الملاحظ حتى الآن أن الثورات العربية الشعبية التي اجتاحت العالم العربي اقتصرت على الجمهوريات التي حققت توريث الحكم وتلك التي همت به ولم تحدث في الجمهوريات الأخرى مثل لبنان والسودان وهذا يعني أن الثورات الشعبية لم تستهدف النُّظم الجمهورية من حيث هي نُظم جمهورية لكنها استهدفت الجمهوريات التي أرادت أن تُعيد حركة التاريخ إلى الوراء بانتقالها وتحويلها إلى نُظُم ملكية من خلال توريث الحكم وإن كانت لا تزال تدعي أنها نُظُم جمهورية. إن توريث الحكم هو أكبر دليل على خيانة الفكرة الجمهورية والتخلي عنها ولم يكن لها أصلاً أي داعٍ.. ولا نعتقد بعد الذي جرى أن فكرة التوريث سوف تجد لها دعاة ومناصرين.. ولم تأخذ بهذه الفكرة تونس وهي استثناء لا ينفي القاعدة!