وجوه واجمة، تلك التي تقاطرت على فنادق العاصمة القطرية الدوحة في الثلث الأخير من الشهر المنصرم، يملؤها الشك تجاه الجهود المتواصلة منذ سبعة أعوام ونيف لتدارك الحريق الذي أعلن عن نفسه ذات صباح عندما قرر فتية من أصلابهم، على طريقتهم الخاصة؛ وضع حد لما يصفونه (بالتهميش المتعمد). سبعة أعوام تقاذفتهم فيها مكالب الغرث، ومثالب المرض، بأرض غير ذات زرع، موزعين على صفتين من أبغض الصفات التي أنتجتها البشرية منذ أن تواضعت على الاحتكام إلى البارود؛ نازحين في أوطانهم ولاجئين في أوطان غيرهم، وقد استحال واقعهم إلى محض أحلام تزاحمها أوهام. على غير العادة كان الضجيج وحده لا سواه يحتل بهو وردهات فندق (ريتز كارلتون) ذي النجوم السبع عشية الجمعة قبل الماضي، عندما قرر نفر غير يسير من مجموع (400) شخص هم عضوية المؤتمر الموسع لأصحاب المصلحة الإحجام عن الدخول إلى الصالة الرئيسة بحجة عرقلة حكومة الخرطوم لوفد من النازحين كان في طريقه للمشاركة، قبل أن تنجح الوساطة المشتركة في إقناع ممثلي النازحين واللاجئين ببدء جلسات المؤتمر الذي حددت مخرجاته ملامح وثيقة سلام دارفور. والذي لم يكن سراً يومها، اتهامات موجهة إلى الحكومة تقول إنها كانت اللاعب الأساسي في اختيار المشاركين وإبعاد أصحاب المصلحة الحقيقيين، وهو ما ذهب إليه محمد عبد الله الدومة في مؤتمر صحفي عقدته آلية الخرطوم التابعة للمجتمع المدني الدارفوري منتصف الأسبوع الجاري، عندما قال إن كثيراً من المنظمات الطوعية حكومية، إلا أنه رفض وصف المجتمع المدني الدارفوري (بالمخترق) أو المنقسم على طرفي السلاح، خلافاً للفترة التي تزامنت مع مفاوضات أبوجا حيث كان المجتمع المدني منقسماً إلى اثنين؛ الحركات المسلحة والحكومة، علاوة على ثالث وصفه بغير الفعال قبل أن تنجح الجهود في جعله جسراً للثقة بين المتناحرين. الدومة قال إن مؤتمر أصحاب المصلحة رغم السلبيات التي اعترته من خلال المداولات والإدارة والتنظيم ومحاولة عزل البعض عن المشاركة، حقق الكثير لأهل دارفور، مستشهداً ببيانه الختامي المرتبط بالمحاور السبعة (التعويضات وعودة النازحين، اقتسام السلطة والوضع الإداري، اقتسام الثروة، حقوق الإنسان والحريات الأساسية، العدالة والمصالحات، الإيقاف الدائم لإطلاق النار والترتيبات الأمنية النهائية، آلية التشاور والحوار الداخلي بجانب آليات التنفيذ)، الأمر الذي حفز المجتمع المدني للشروع في اتصالات مع الحركات الرافضة لمنبر الدوحة، وحثها على الانخراط في العملية السلمية بناء على مخرجاته، وإقناع الحكومة بتقديم تنازلات أساسية حول المسائل العالقة، وإبداء المرونة اللازمة تجاه الحركات التي حددها الدومة في سبع حركات فقط لا غير، وقال إنها متفهمة لدور المجتمع المدني وموافقة على الجلوس معه، منوهاً إلى اتصالات تمت بينهم ووفد العدل والمساواة على هامش المؤتمر لبحث الخطوة وأن الوفد أخطرهم بنقلها إلى مجوعة (كمبالا)، لافتاً إلى رفضهم لأي عملية سلام جزئية تفادياً لإشعال الحرب مرة أخرى، مدللاً على ذلك بالتصعيد العسكري الذي أعقب توقيع اتفاقية أبوجا، مذكراً الجميع بأن أهل دارفور (زهجوا خلاص) ويجب أن يسمع صوتهم. وبمقاربة سريعة للمحاور السبعة، نجد أن أهل المصلحة الموزعين ما بين لاجئ ونازح - تقدرهم إحصائيات الأممالمتحدة بمليونين ونصف المليون - معنيون بالدرجة الأولى بمحورين؛ هما التعويضات والعودة إلى قراهم، إقرار العدالة والمصالحات. وهو ما جزم به د. إدريس يوسف، وأنه لن يكون هناك أي عفو عن الجرائم المرتكبة، وهي طبقاً للدومة عرضة لمأزقين قانونيين، هما أن القانون السوداني لا ينص على جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وأنه في حال سن تشريعات جديدة لا يمكن تطبيقها بأثر رجعي، الأمر الذي يهدد العملية السلمية برمتها، لجهة أنه لا سلام دون عدالة، مؤكداً أن الحكومة ليست طرفاً في المصالحات التي قال إنها تقتصر على القبائل، بينما شدد يوسف على إبعاد من وصفهم بالمستوطنين الجدد من قرى النازحين. على كل، يبقى السؤال عن قدرة المجتمع المدني على إحداث اختراق حقيقي للأزمة محل إبهام، وبرأي كثير من المراقبين كانت مشاركته في مفاوضات السنين السبع أشبه بمساحيق التجميل، وليس وسيطاً قوياً يؤبه له، ولا ضامناً يعضد الضامنين الدوليين، كما يقول يوسف، رغم كونهم أصحاب الحق الأصيل.