} خطاب الرئيس «البشير» في مدينة «أوسيف» بمحلية «حلايب»، كان سياسياً ودبلوماسياً جداً، فعكس ما كان يتوقع الكثيرون، جاءت كلمات الرئيس في المنطقة الأقرب إلى (المثلث) المتنازع عليه بين السودان ومصر، هادئة ومتوازنة، تبشِّر بمستقبل أفضل لتعاون مشترك بين الدولتين في ظل حكومة ما بعد (الثورة) في مصر . } «حلايب» سودانية.. نعم.. ولا جدال في ذلك، فهي راسخة في وجدان الشعب السوداني وباقية في قلب كل (بيجاوي)، مهما تطاولت السنون، وبالمقابل فإن ضمير الشارع (المصري) لا يحمل أدنى انتماء إلى هذه المنطقة الصحراوية القاحلة. كنا بصحبة الرئيس في «أوسيف» أمس ضمن جولة في مدن ومناطق ولاية البحر الأحمر، الملامح هناك والآثار تتحدث عن سودانيتها في كل شيء. } الشعب المصري لا يعرف عن «حلايب» شيئاً ولا أظنه يريد أن يعرف، ولا تمثل له أي رمزية ثقافية أو تاريخية، سوى أن قراراً سياسياً وعسكرياً اتخذته حكومة الرئيس السابق حسني مبارك عام 1995م بدخول (المثلث) واحتلاله عسكرياً عقب حادثة الاعتداء على «مبارك» في «أديس أبابا» في ذات العام. } صحيح أنه كان هناك جدل عابر نشأ ذات مرة في خمسينيات القرن المنصرم، وقتها كان الأميرالاي «عبد الله خليل» رئيساً لوزراء السودان عن حزب الأمة، بينما كان على قيادة مصر بل والأمة العربية الزعيم الخالد «جمال عبد الناصر».. فانتهى (مشروع) المواجهة العسكرية بين البلدين إلى سحب القوة المصرية برسالة عبد الناصر الشهيرة (الجندي المصري لا يقاتل شقيقه السوداني)!! أو كما قال. } وقريباً من منطق ولغة وحصافة «عبد الناصر» جاءت كلمات الرئيس البشير في «أوسيف» أمس، عندما قال مخاطباً اللقاء الجماهيري بالمنطقة (حوالي 26 كيلومتراً من حدود المثلث): «نحن موعودون بعلاقات أفضل مع مصر، وسوف نحل مشكلة حلايب خلال فترة قليلة». البشير حيا الثورة المصرية قائلاً: «حيوا معي الشعب المصري، حيوا معي شباب الثورة المصرية وحيوا حكومة مصر». } البشير أشار إلى أخطاء النظام المصري السابق في هذه القضية بقوله: «قلنا لحكام مصر السابقين الحدود دي رسمتوها إنتو أيام الاستعمار».. معبراً عن رؤية متجاوبة في حديثه: «نحنا حدودنا في البحر الأبيض المتوسط»! } إذن.. الكرة الآن في ملعب حكومة الثورة المصرية، ورئيسها (المنتخب) القادم، فإما أن يرتقوا إلى أفكار «عبد الناصر» فيسحبوا القوات المصرية (المحتلة) ويصلوا في الحد الأدنى إلى توافق لاستخدام (مشترك) عبر شرطة حدود مشتركة من الجانبين للمعبر الحدودي وتطويره لصالح تنشيط التجارة بين البلدين، وإما أن يظلوا في مربع (حلايب مصرية) والإصرار على إقحام المنطقة في خريطة الطقس بالنشرة الجوية بالفضائية المصرية الرسمية!! درجة الحرارة في «القاهرة» كذا، وفي «بورسعيد» كذا، وفي «حلايب» كذا!! } كم مصرياً زار حلايب؟ كم صحفياً مصرياً وصل المنطقة أو يعرف عنها شيئاً؟ اثنان أو ربما ثلاثة!! هل سمعتم بمصريين (بجا)، (بشاريين)، أو (عبابدة)؟! } اجعلوا من «حلايب» نموذجاً يحتذى للتعاون والتكامل (العربي - العربي).. وهذا (أهم) امتحان سيواجه الثورة المصرية.