بدون شك إن المشاكل المعيشية فى بلادنا الحبيبة من غلاء وعطالة وضغوط الحياة اليومية والتى أصبحت فى تزايد مستمر إضافة إلى المشاكل السياسية التى تحيط بالبلاد من كل صوب، جعلت المواطن يتجاوز حدود الدهشة والاستغراب فى كل ما يدور من حوله فقد أصبحت له قدرة هائلة على التحلى بالصبر إضافة إلى اكتسابه لمهارات عالية فى فنون تخطى وتناسى المشاكل, ومحاولة العمل بمبدأ (اضرب الهم بالفرح)، لكن هذا المواطن الذى يستخدم الفرح لضرب الهموم والمشاكل فى مقتل لا يمكنه أن يصمد هذه المرة أمام مشكلة تلوث المياه التى طالعها الجميع عبر الصحف والوسائط المختلفة فقد أصابت هذه القضية فرح المواطنين المصنوع بمجهودهم الفردى فى مقتل حقيقي وجعلتهم يستيقظون من غفوتهم أوغيبوبتهم إذا صح التعبير، لأن الأمر خطير ودخل الحوش «عديل كده». تناولت التقارير المختلفة قضية تلوث مياه الشرب بعد أن أكدت جهات الاختصاص هذه المعلومات بوجود أشياء غريبة فى المياه إضافة إلى الروائح الكريهة المنبعثة منها وبعضهم ذهب إلى اختلاطها بمياه الصرف الصحى بعد فحصهم لعينات من بعض المناطق المختلفة وهذا الأمر يجعلنا نتوجه بسؤال مباشر إلى جهات الاختصاص عن سر هذا الإخفاق الكارثى وعن الأسباب التى أدت إلى وصول مياه غير صالحة للشرب إلى المواطنين؟ وما هى المراحل التى تمر بها المياه قبل وصولها إلى المنازل؟ وكم تبلغ تكلفة توصيل مياه نقية صالحة للشرب للبنى آدم؟ هى بالتأكيد أسئلة ليست للإجابة لأنها مهما كانت إجاباتها فلا يمكن أن تكون مبرراً منطقياً يجعل المواطنين يغفرون مثل هذه الأخطاء التى ربما أودت بحياتهم إضافة إلى الأمراض المستعصية التى تصاحب تلوث المياه والهلع الكبير الذى يقع المواطن المسكين تحت وطأته جراء خوفه من تناول المياه، وقد أوردنا هذه الأسئلة حتى لا يستخدمها المسؤولون ذريعة يبررون بها إخفاقهم الكبير، الحديث عن تغيير شبكات المياه القديمة واستبدالها بشبكة حديثة وعن الطفرات التى حدثت فى زيادة محطات المياه وإدخال أجهزة حديثة وغيرها من مجهودات تقوم بها الجهات المختصة تضيع هباء أمام تلوث المياه، فما فائدة كل هذا والمياه فى بعض المناطق غير صالحة للشرب إلا إذا كانت هذه الجهات تطور خدماتها لاعتبارات أخرى لا نعلمها!! الكثير من الشواهد تشير إلى أن جهات الاختصاص فى طريقها إلى إدخال عدادات الدفع المقدم إلى القطاع السكنى بعد نجاح الفكرة فى القطاع التجارى على حسب وجهة نظر المسؤولين ولو صحت هذه التوقعات فسيكون هذا أكبر خطأ ارتكبه القائمون على أمر المياه بعد إخفاق تنقية المياه الذى تضررته منه بعض المناطق وربما يؤدى هذا إلى ما لا يحمد عقباه، لأن المواطن الغلبان يعيش حالة من الهياج بسبب ما حدث ولأن المياه أصلاً لا تتوفر فى كثير من المناطق فهنالك أحياء داخل ولاية الخرطوم وخارجها لا تصلها قطرة ماء ولمدة أسبوع أو ما يزيد وهنالك أحياء خرجت فى تظاهرات من أجل استرجاع المياه، فما بال هؤلاء حين تأتى إليهم الهيئة الموقرة بقرار تركيب العداد الذى سيجعل المواطن محاسباً على كل نقطة ماء تنزل من نافورته، فالشراب سيكون بالدفع المقدم والوضوء بالدفع المقدم والغسيل وحتى الأشجار سيرعاها المواطن بالدفع المقدم وحينها ستزداد الحياة صعوبة على صعوباتها، فالمواطن بات يدفع مقدماً للكهرباء ولا يجدها فى كثير من الأوقات وفى طريقه كى يدفع للماء غير الموجود أصلاً فى بعض المناطق وإذا وجد فربما يكون غير صالح للشرب. أظن أن الموضوع برمته يحتاج إلى عناية القائمين على الأمر ومحاولة التفكير جلياً فى المصلحة العامة قبل التفكير فى الإيرادات، لأن كل الأفكار صارت تصب فقط فى داخل الخزينة والمواطن فاعل خير فقط، يدفع من (جيبو) دون أن يشعر بأن هنالك خدمة مميزة يتلقاها فلماذا لا تخرج أفكارجديدة إلى النور تحاول أن تجعل من المياه خدمة مجانية وتجد مخرجاً لنفاقاتها بتمويلها من جهات أخرى بدلاً من التفكير فى عدادات الدفع المقدم أو التفكير فى ربط فاتورة المياه بفاتورة الكهرباء، فهذه الأفكار العبقرية التى تكلف المواطن نحتاج مثلها لمساندته والوقوف بجانبه وتخفيف أعباء المعيشة عنه بعد أن أثقلت المعاناة كاهله وصار لا يفعل شيئاً سوى أن يدفع. على القائمين على أمر المياه فى بلادنا أن يدركوا أن الماء خط أحمر وأن السودان به النيل الذى لا ينضب ولا مجال لبلادنا أن تعطش وبها النيل سليل الفراديس وملهم الأمم، فنيل مثل نيلنا العظيم قادر على أن يعطى مئات الملايين من البشر مياهاً نقية وقادر أيضاً على تمزيق فواتير المياه وتجاوز عداد الدفع المقدم الذى يلوح فى الأفق إذا ما وجد العقول التى تستخدمه وتقترب منه وتعرف كيف تستغله الاستغلال الأمثل، لماذا لا يتعلم المسؤولون فى بلادنا الحبيبة أدب وثقافة الاستقالة حين يخفقون فى أداء مهامهم؟ ولماذا لا تطالهم الإقالة حين يعجزون عن تقديم خدمة جيده للمواطن؟ افسحوا إذا فشلتم يفسح الله لكم حتى نجد من يساعدنا على تجاوز همومنا ومشاكلنا، أردت القول إنه يجب أن يفكر المسؤولون عن المياه فى الوقت الحاضر فى تنقية المياه وتوفيرها وتقليل تكلفتها، وأن يبتعدوا عن التفكير فى إدخال عدادات الدفع المقدم إلى المنازل نهائياً حتى يتجنبوا ظهور مئات من أمثال (بوعزيزى) مفجر ثورة الياسمين فى تونس الخضراء.