التصميم الكبير الذي تبديه الحكومة في الوقوف صامتة وصامدة أمام الأزمات الطاحنة التي تمر بها البلاد، التي نعلمها جميعاً، على أنها سلسلة لا تنتهي؛ هو التزام مكلف لنا أكثر مما يمكن أن يكون نقطة في صالحها وصالح وثائق تاريخها المستقبلي، بأنها حكومة قوية وقادرة على إدارة الأزمة ورد الفعل تجاهها بشيء من الحكمة والروية. فالرواية المشوّقة التي نطالعها منذ شهور تحكي عن شعب تقطعت به السبل وصار حتماً عليه أن يقرر مصيره ليس بالانفصال! فهذا قد تحدد مسبقاً وتم مونتاج حلقات مسلسل نهاياته المحتومة! إنما تقرير مصير أولوياتنا كشعب في هذه الحياة هل هي أولوية الأكل أم الشرب أم الأمن؟ - فالعمل والصحة يعتمدان أو يتبعان بديهة ما سبق! - والحقيقة أننا لا نستطيع مع ذلك صبراً، فالأكل ملزم لنا أن نجاري ارتفاعه، والشرب حدث ولا حرج! أما الأمن فهو ما تحاول الحكومة بتصميمها الكبير ذاك أن تعالج أمره بما تيسر من السيطرة. ربما سيطرة فكرة الحرب على العقلية السودانية بتأثيرها التاريخي والثقافي هي ما تجعل مجرد الحديث عن غيرها ضرباً من (الفنكهة) غير لازمة لكثيرين جداً من ذات هذا الشعب. فما تشعب من أعباء إضافية للحرب الدائرة - ولو اختتمت فعالياتها - هناك في جنوب كردفان تبدأ من القلق وأكولة الخوف المزعجة التي تجعلنا لا نقدر على الحك لإسكاتها ولا احتمالها. ولا تنتهي بفاتورة اليومي من الأكل والشرب والأمن الذي يجب توفيره للأهل من تلك المنطقة. هي أعباء تفوق حد الممكن لحمله فوق كتف الشعب إن كان موافقاً أو مناهضاً للحرب من أساسها! وما يتأسس على ذاك أن الأيام الجارية في أعيننا منذ بداية الشمس ولنهاية الأسبوع تختبر مدى قدرتنا على إدارة ذاك الخوف وميزانية الصرف على النازحين بشكل وطني لا علاقة للحكومة به. بفكرة نسيج اجتماعي سوداني تحركه الإنسانية قبل أي شيء آخر حتى الانتماءات السياسية. والمؤسف أن الحكومة تستخدم معنا ذات السياسة التعبوية القديمة ما قبل نيفاشا، فقط بحدة أقل، حيث ما زالت مصطلحات كالعملاء والمؤامرة... إلخ، مختزنة في الخطاب الرسمي، المسموع والمرئي في حين أن الأمر يبدو على أرض الواقع أقل من ذلك بكثير ومتلخصاً أو مستخلصاً من ثلاث ملزمات أساسية هي الأفعال الثلاثة اللازمة للحياة أكل وشرب وأمن! فمن الواضح أن دائرة التواريخ ليوم غدٍ؛ ثلاثين يونيو، سيجعلنا كعامة نفكر، هل وقد اقترب يوم الفصل الذي كنا منه ساهين، ستعيد العقلية الإنقاذية بعضاً من كل خوفها القديم لإعادة التوازن الأمني، على الأقل قبل السياسي، لوضعها كثورة استطاعت السيطرة كاملة طوال تلك السنوات التي لم نر فيها معارضة إلا وقد دخلت في علاقة معها شرعية أو غيرها! أم ستتخذ شكلاً جديداً يتناسب وموضة المرحلة بتصميم أكثر دقة في التفاصيل الفاصلة بين أولوياتها كحكومة وكثورة وكمرحلة وربما كقيادة؟ إن قيادة الثور من أصعب القيادات الرعوية إذ أنه من الحيوانات ذات الاعتداد الكبير بالنفس وشخصيته كثور في الأصل قيادية لذلك يصعب إرضاخه للسيطرة إذ يأتي بأفعال غير متوقعة أبداً بين احتمال توقفه جداً وجريانه بشدة أو غرز قرونه في قلبه إذا هاج! وذات شعر جميل وصف الشاعر الراحل (يوسف التني) الشعب السوداني برمزية صافية أنه (تور قرنو ماكن)، وما أدراك ما قرون الثور، التي تبين فحولته وقدرته على حماية القطيع، و.... ورغم أن تصميم الشعب على الخنوع في عدم وفرة اولويات حياته يثيرالهياج الآن لانتفاء اثنتين من تلك الاولويات! الا ان الرهان الذي تكسبه الحكومة لصمودها، إننا في كافة الأحوال نبقى درقة الوطن العزيز!