حينما وقعت الحكومة اتفاقية السلام الشامل في 9 يناير 2005م مع الحركة الشعبية لم يتوقع أحد أن تمضي وتيرة الأحداث في اتجاهات يغيب بموجبها زعيم الحركة الشعبية د. جون قرنق عن مسرح الأحداث السياسية, ومن بين هؤلاء كانت الحركة الشعبية التي وجدت نفسها فجأة أمام واقع معقد غابت فيه كاريزما القيادة وشخصية الزعيم, لكن رغم ذلك أبدت الحركة تماسكاً لافتاً واستطاعت إعادة ترتيب سلطتها عندما أجمعت على اختيار نائبه سلفاكير ميارديت خلفاً له أو قد تكون الظروف الاستثنائية فرضته كخيار أمر واقع آنذاك كما اعتقد أغلب المحللين, وأياً كان السبب فسلفاكير الذي ينتمي لقبيلة الدينكا أظهر مستوى متميزاً في الكلية الحربية كأول لدفعته وبدأ حياته العسكرية كجندي في الجيش قبل أن يلتحق بحركة قرنق في العام 1986م وتدرج في الجيش الشعبي حتى أصبح نائباً لقرنق وقائداً عسكرياً, ويعتبر أحد الآباء المؤسسين للحركة الشعبية. قبل الدخول في عملية السلام الشامل توترت العلاقة بينه ود. جون ولكن سرعان ما عادت الأمور وجددت الحركة ثقتها في الرجل حينما كلفته بملف التفاوض مع الحكومة الذي انتهى بتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام, بعد رحيل قرنق المفاجئ دفعت به الأحداث لقيادة الحركة الشعبية ورئاسة حكومة الجنوب بجانب منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في المركز وعندئذ أطلق الناس تقديرات مختلفة، فمنهم من جزم بإمكانية نجاح الرجل استناداً على خلفيته العسكرية، فيما توقع آخرون أن يتسبب غياب كاريزما القيادة السياسية في فشلة، وبحسب رأي المراقبين فإن سلفاكير استطاع خلال الفترة الانتقالية إثبات مقدرات كبيرة في السلطة، وهؤلاء دعموا هذه الرؤية بمعطيات عملية أشاروا فيها إلى تمكنه من توحيد الحركة رغم وجود تيارات داخلها، إضافة إلى تحويل خيارها من مشروع السودان الجديد إلى الانفصال عن الشمال، كما كان يريد، مرجحاً كفة خياراته على الآخرين. سياسي مطلع تحدث عن ميزات أخرى لميارديت تمثلت في عدم ظهوره كثيراً حتى في أحلك الظروف السياسية والتعقيدات التي كانت تحدث مع شريكه المؤتمر الوطني، حيث كان يوظف قياداته، كلاً حسب مقدراته، لتحقيق قناعاته السياسية، بينما أرجع بعض المحللين ما حققته الحركة الشعبية من مكاسب سياسية خلال سنوات السلام إلى سيطرة مراكز القوى داخل حركته على القرار أو هكذا قال المحلل السياسي د. إبراهيم ميرغني ل(الأهرام اليوم): سلفاكير لا يتمتع بأبعاد القائد السياسي وهو عسكري يظهر خلاف ما يبطن، كان يدعو للوحدة ويعمل للانفصال حتى حققه، واستدرك قائلاً: لكن لا ندري أهذه كانت نوايا سلفاكير أم أولاد قرنق؟. اليوم تتأهب دولة الجنوب الوليدة إلى إعلان استقلالها وكتابة تاريخ جديد لرجلها الأول سلفاكير ميارديت كأول رئيس، فهل يمتلك سلفاكير شخصية ومقومات رجل الدولة في هذه المرحلة على ضوء ما ينتظرها من تحديات؟ أم من سيدير الجنوب؟ طرحنا هذا السؤال على عميد م. حسن بيومي، فقال: سلفاكير يعتبر من أول الشخصيات التي تمردت ودخلت أثيوبيا مع كاربينو كوانين وآخرين لكنهم كانوا يفتقدون وقتئذ العقل المفكر والمدبر لحركتهم، وعندما جاءهم د. قرنق صاحب الكاريزما السياسية أصبحوا بمثابة كومبارس. إذن من سيدير الدولة؟ د. إبراهيم مرغني رد متسائلاً: هل سلفاكير في وضع يمكنه من إدارة الأمور بنفسه أم سيعتمد على مراكز القوى داخل الحركة في المرحلة القادمة؟ ومضى في حديثه: شخصية سلفاكير كقائد غامضة، لذلك أعتقد أنه سيستمر مع التيار الغالب والمتطرف في الحركة الشعبية الذي سيقود الجنوب لنظام شمولي قابض ليحافظ على وجوده, أما إذا دخل الجنوب في حالة عدم استقرار فستكون هناك ضبابية حول استمرار سلفا كرئيس من عدمه. من جانبه أكد بيومي أن قائد الجنوب الفعلي لم يأت بعد والمسألة محتاجة لوقت حتى يظهر، وجزم بأن سلفا لن يكون رجل المرحلة القادمة وسيستمر بمشاكل كبيرة خارجية مع الشمال وداخلية بسبب التركيبة القبلية في الجنوب، وتوقع أن يعزل من جانب الجيش لأن مرحلة السيولة الأمنية محتاجة لقائد يجمع بين المؤهلات السياسية والعسكرية، كما قال. إلا أن د. البوني كانت له وجهة نظر مختلفة، حيث أكد أن سلفاكير يتمتع بمواصفات الزعامة وكان يعمل عبر المؤسسات واستطاع قيادة الحركة في مراحل صعبة جداً, لكن قد لا تكون لديه كاريزما طاغية. واستبعد البوني إبعاده عن السلطة إلا إذا حدث طارئ ليس في الحسبان وفقاً لحديثه فإن ميارديت الآن منفرد بالمرمى، لذلك يصبح التآمر عليه صعباً، خاصة أنه رجل عسكري واستخباراتي لا يستغني عن القوة. في الناحية الأخرى هناك ثمة تحديات في الجنوب تتزامن مع إعلان الدولة تتمثل في المشاكل القبلية وانتهاج بعضهم العنف والسلاح كوسيلة لتحقيق مكاسب سلطوية مثلما فعل جون أطور وقلواك قاي. المراقبون من ناحيتهم تنبأوا باشتداد هذا النمط من الصراع بعد إعلان الدولة وربما يطال تيارات داخل الحركة الشعبية نفسها طالما هنالك قيادات تتعاطف مع قبائلها وسبق أن أشار سلفاكير إلى مثل هذا الصراع عندما صرح في لقاء بإحدى الكنائس بأن نائبه رياك مشار يسعى لتكوين حكومة داخل حكومته، وزاد من هذا الأمر دعم مشار للأصوات الرافضة لدستور الجنوب الذي منح الرئيس سلطة مطلقة، كذلك هنالك قيادات سياسية معروفة بولائها القبلي أمثال د. لام أكول يسعون لإيجاد معادلة تقلل من سلطة الحركة الشعبية في المرحلة القادمة، فهل يستجيب سلفاكير إلى هذ التحديات والأصوات المعارضة أم أنه سيظل يعبأ من قبل قيادات معروفة بقبضتها على السلطة؟ وفيم تفكر هذه المجموعات: السلطة أم الاستقرار؟ ومن سيهزم ميارديت: طموح قياداته السياسية أم نفوذ السلطات القبلية؟