تباينت آراء أهل دارفور حول إمكانية أن تتحقق اتفاقية سلام دارفور التي وقعت في العاصمة القطرية الدوحة مساء الخميس الماضي، في ظل غياب فصيلي عبد الواحد محمد نور (حركة تحرير السودان) وخليل إبراهيم (حركة العدل والمساواة)، فمنهم من رأى أن الاتفاق جاء في وقته ومن شأنه أن يضع حداً لمأساة أهل الإقليم، وهؤلاء يرون أن الاتفاق مسنود بكثير من الضمانات التي تجعله أهلاً لتحقيق طموحات شرائح المجتمع بدارفور، من بينها التأييد القوي الذي حظيت به الاتفاقية من المجتمع المدني، الذي كثيراً ما يساند الموقف الرافض للسلام بالإقليم، لكن هذه المرة استطاعت دولة قطر استقطاب التأييد الذي يؤسس لإنجاح الاتفاق. قال نائب رئيس المؤتمر الوطني بجنوب دارفور المهندس محمد عبد الرحمن مدلل إن اتفاقية الدوحة لبت طموح أهل دارفور في كثير من القضايا، وأكد أن مشاركة المجتمع الدارفوري في صياغة بنود الاتفاقية وإسناده لها يعتبر صمام أمان، وأشار إلى أنه لأول مرة تشتمل اتفاقية سلام على تعويضات فردية وجماعية، وهذه من ميزات اتفاقية الدوحة، وجاءت إرضاءً للمواطنين وإزالة ما أصابهم من ضرر، الأمر الذي يعضد من نجاح الاتفاقية في تحقيق السلام بدارفور، فضلاً عن الثقة التي تتمتع بها دولة قطر التي ترأس آلية تنفيذ الاتفاقية لدى المجتمع الدولي، وأكد مدلل أن غياب حركتي عبد الواحد نور وخليل إبراهيم عن الاتفاقية لن يكون تأثيره كبيراً على تنفيذها، وقال إن مشاركة أهل دارفور في صياغة بنود الاتفاقية تجعلهم الشركاء الأصليين في تنفيذها ويمكنهم أن يضغطوا على أية جهة تدعي أنها تتحدث باسمهم، كما يمكنهم أن يضغطوا على الحكومة إن كانت هناك قضايا تتطلب ذلك، وقال: «إن زعيمي الحركتين إذا كانا يعتبران أنهما (سوبر حركات) فعليهما بالضرورة أن يراجعا نفسيهما ويعودا إلى أهلهما وإلا يكونان استمرآ البقاء في الفنادق وترك أهلهما في المعسكرات»، وأشار إلى أن حركة التحرير والعدالة التي وقعت الاتفاق قوية ولها وجود على الأرض، وأضاف: «هي تضم كثيراً من قيادات الحركتين انسلخوا منهما ومعهم قوات على الأرض». من جانبه قال المحلل السياسي صابر أحمد الحسن إن الاتفاقية غطت كل القضايا التي حملت الحركات المسلحة السلاح من أجلها وتوصلت إلى اتفاق في كثير من القضايا التي كان من الصعب التوصل فيها إلى اتفاق مع الحكومة السودانية في وقت سابق، فضلاً عن احتوائها (90%) من الرؤى التي طرحت في مؤتمر أهل المصلحة الذي سبق الاتفاقية، وأشار صابر إلى أن هناك بعض القضايا التي تطرحها حركة العدل والمساواة يمكن أن يتم التوصل حولها إلى وفاق، إلا أنه قال إن الحركة أصبحت لها اهتمامات أكبر من تلك التي حملت السلاح من أجلها، وقال إن تلك الاهتمامات اتضحت لأهل دارفور في مؤتمر أهل المصلة الأخير عندما جلسوا مع الحركة فكانت تطرح قضايا قومية تخطت حدود دارفور على حد قوله، من بينها الحريات وقوانين الأمن الوطني وغيرها من القضايا التي تهم السودان بصورة عامة، بينما حركة عبد الواحد نور لم تكن موجودة في الدوحة، وأكد صابر أن التحدي الآن يكمن في تنفيذ بنود الاتفاقية، وأضاف: «إذا تم التنفيذ كما هو متفق عليه فإن ذلك يمكنه أن يجذب الحركتين إلى الانضمام للسلام». فيما تحفظ عبد الرضي على رأيه كمفوض لتنمية وتطوير الرحل بالولاية، لكنه أبدى رأيه الشخصي وقال إنه كان يأمل أن توقع كل الحركات المسلحة على الاتفاق حتى لا يحدث ما يخشاه في أن يظل الحال كما هو بتوقيع فصيل واحد دون البقية، وشدد على أن لا يكون ما تم من وعود احتوتها الاتفاقية في مهب الريح حتى تؤدي إلى إقناع بقية الحركات، وأشار إلى أن أهل دارفور أصبحوا يشعرون بعدم المصداقية في كل شيء لكنه أكد أن أهل دارفور الآن أكثر حاجة إلى السلام من أي وقت مضى، وقال إن الاتفاق الذي تم توقيعه يحتاج إلى تضافر الجهود من كل المعنيين بتحقيق السلام بالإقليم على المستويين المحلي والدولي. من جانبه يرى الدكتور عبد الرحمن الزين النور وزير الحكم المحلي والخدمة المدنية أن الاتفاقية سيكون لها أثر كبير على الأوضاع بدارفور خاصة في ما يتعلق بجوانب الإعمار والتنمية التي عانت منها دافور طيلة الفترة الماضية، وأشار إلى أن المجتمع الدولي والإقليمي أجمع على أن الاتفاقية معالجة لقضية دارفور بشكل كامل، لافتاً إلى أن الوثيقة مصممة على أن تستوعب على مدى (3) أشهر قادمة حركتي العدل والمساواة وعبد الواحد نور. وفي رده على سؤال (الأهرام اليوم) حول إمكانية تنفيذ بند التعويضات الفردية الذي نصت عليه الاتفاقية بالصورة التي تعطي كل متضرر حقه في ظل وجود بعض الآراء التي تشكك في إمكانية وصول تلك التعويضات إلى أصحابها والسيناريوهات المتوقعة في تنفيذ هذا البند؛ قال الزين إن هناك آليات سيتم تكوينها لتنفيذ هذا البند، لكنه لم يستبعد أن تحدث فيه بعض الخروقات، إلا أنه أكد أنها لا يمكن أن تتجاوز (5%) فيما قال منسق معسكر كلمة بنيالا الشيخ عيسى إن النازحين لديهم شكوك في جدوى الاتفاق، وأضاف إن النازحين لم يكونوا ضمن المشاركين في صياغة بنود الوثيقة، وأعرب عن خوفه من أن يدفع النازحون ثمن هذا الاتفاق كما حدث في اتفاقيتي أبوجا وأبو القاسم إمام اللتين تم التوقيع عليهما ولم يجن النازحون منهما سوى العذاب على حد قوله. ونوه إلى أنهم ناشدوا الأطراف منذ البداية الابتعاد عن السلام الجزئي وأن يجتمع الكل في طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى سلام ينهي معاناة النازحين بالمعسكرات ويمكنهم من العودة إلى قراهم الأصلية وقال: «حسب تجاربنا السابقة مع الحكومة فإن هذا الاتفاق لن ينفذ منه ولا بند»، وأضاف: «نحن لسعنا الثعبان لذلك نخاف من جرة الحبل»، في إشارة إلى الشكوك التي تساورهم في تنفيذ الاتفاق. وتساءل: «كيف للاتفاقية أن تخرج من سماهم بالمستوطنين الجدد إلى مواطنهم وإخلاء القرى لأهلها الأصليين؟». عموماً الناس في دارفور بصورة عامة يتشوقون للسلام أن يمشي بينهم على أرض الواقع لذلك فهم مهما اختلفت آراؤهم يجتمعون في رغبتهم الأكيدة في إحلال السلام بدارفور، وهنا يرى البعض أن حتى في حال تنفيذ بنود هذه الاتفاقية يبقى أمر التفلتات الأمنية الذي تعيشه ولاية جنوب دارفور ويلقي بظلاله على أوجه الحياة المختلفة مما يحد من الفرص التي يتيحها الاتفاق لإعادة النازحين إلى قراهم الأصلية وإنهاء حياة المعسكرات التي تمثل واحداً من الإفرازات الإنسانية للأزمة التي مرت بها دارفور وتمثل عنوانها البارز.