تهودن الأم لصغيرتها، وفي قرارة قلبها أن تكون - بعد أعوام - في ذات مكانها تهدهد طفلها بنغم: «تن تنا، يا تن تنا، كبر لنا، وجاب جنا، شال الشقا، وجاب الهنا، ده يوم المُنى» - بصيغة متغيرة بين مذكر ومؤنث! تشعل بها الأم كل يوم شمعة أمان لمرور يوم طفلها بسلام من ناس الحسد وأمراض الجسد، تساعدها نصائح الحبوبات وخبرات الأمهات وأحاديث الجارات، وفي آخر المطاف سماع محاذير الأطباء. وما طاب لنا جميعا نهار أول أمس ونحن شهود بحق على خطوة متقدمة في مجال الرعاية الما قبلية الصحية للطفولة، إننا سمعنا ورأينا وتذوقنا طعم إدخال لقاح (الروتا) الفيروس المسبب لإسهالات الأطفال، كثاني سبب من أسباب وفيات الأطفال الذي ينهك الخبرات والنصائح والحبوبات والأطباء في السودان. والسودان بذلك يتمركز في المقدمة كأول دولة في أفريقيا تُدخل لقاح فيروس (الروتا)، بجهاد مستمر من إدارة برنامج التحصين الموّسع بكافة أقسامها ومواردها البشرية التي أعتقد إنّ أهمها على الإطلاق هو قسم سلسلة التبريد، التي تديرها مجموعة متفاهمة وذكية بقدرتها العلمية والإنسانية، للحرص على تخزين وتسليم اللقاح في ذات درجة الحرارة الموصوفة لكل على حدة. ومعالجة كافة المشاكل المتعلقة بذاك من توفير الكهرباء وترتيب جداول العمل، إلى توصيل اللقاح بشكل آمن وصحي إلى كافة مناطق السودان المختلفة بلا تمييز. تبقى ميزة كافة أقسام إدارة برنامج التحصين الموّسع إنها تتفق على جملة واحدة: «صحة أولادنا أولاً». بغض النظر عن المصاعب والعقبات التي تواجههم في تنفيذ ذلك، فمنذ أكثر من عام شرعت الإدارة في الاتفاق مع كافة شرائح المجتمع من رؤوس الأموال والإعلام ومنظمات المجتمع المدني والأفراد إلخ.. للوصول إلى شراكة متقدمة في أولويات الطفولة التي هي - على الإطلاق - تحقيق أعلى نسبة من التحصين ضد الأمراض ذات العبء والكلّفة الاقتصادية للدولة - حتى الآن تم ترتيب عشرة أمصال للطفل تعطى له بالأولوية منذ الولادة وحتى تسعة أشهر - وقد خلص برنامج التحصين مع تلك الشراكات إلى نتائج متعسرة لأسباب متعلقة بالأولويات السياسية والاقتصادية، وحتى الإخبارية - لم تتجرأ صحيفة ولا إذاعة أو تلفزيون في أن يكون خبرها الأول: «تطعيم أول جرعة لقاح روتا لأول طفل سوداني في كل أفريقيا»! - وهنا مكمن الفرق في أن تكون مجرد مشاهد! إن مشاهدة كل فريق عمل برنامج احتفال تدشين التطعيم باللقاح الجديد، - من برنامج التحصين ومن شركة (جلاسكو سميث كلاين) - مرتدين أزياءً موحدة مختارة بلون الأخضر رامزاً للحياة والتنمية والجمال، حتى السيد ممثل منظمة اليونيسيف ارتدى ربطة عنق «كرافتة» بذات اللّون، مقدمين بها استقبالاً مميزاً مبهجاً بلا ابتذال لتحقيقهم واحدة من المهمات المستحيلة في مجال الصحة العامة، والما قبلية. جعل من انتظارنا ساعة كاملة من الزمن المحدد بالعاشرة صباحاً، لتأخر السيد مستشار رئيس الجمهورية (د. أحمد بلال) - وزير صحة أسبق - ليس مجرد انتظار ممل، بل نزهة جميلة داخل وسائل الغايات، والوجوه المستبشرة باللقاح الجديد خيراً في تقليل نسبة وفيات الأطفال (112 لكل ألف طفل). أي طفل يتعرض لحالة إسهال تتراوح خطورته بحسب الحالة وزمن وصولها إلى مراكز العناية الصحية - حقيقة علمية - وقد تلجأ بعض الأمهات إلى استدراكه بالحلول البلدية «دخان، وموية رز، ومحلول كسترد وعجنة محلب إلخ..».. وتأتي أهمية إعطاء اللقاح بجرعتين أساسيتين عند عمر الأربعين للطفل والثانية بعد شهر من الأولى لمنح الطفل فرصة الحياة بلا مضاعفات الإسهالات القاتلة، ولإعطاء الأم والأسرة فرصة الاستمتاع بمرحلة عمرية حرجة بلا استهلاك كثيف ل «البامبرس» والأدوية والدعوات. آخر دعوانا أن: (الله يجيب الجنا)، فناس التحصين حيشيلوا منّو الشقا، وبيدوه جرعات الهنا.. ويوم المُنى يوم تبقى الطفولة آمنة...