بالنسبة لألوان البشر ليس هناك لون أفضل من لون.. فكلكم لآدم وآدم من تراب وعندما نقول إن فلاناً أسود أو ملون فإننا لا نسئ إليه مثلما أننا لا نعلي من شأن أي آخر إذا ما اتصف لونه بالبياض، فاللون أصلاً لم يكن من اختياره. والإنسان في كل الأزمنة والأمكنة يقيّم بأعماله وأخلاقه.. إن مانديلا أفضل وأعظم من ملايين البيض.. وبلال ابن رباح أنبل وأتقى من ألوف العرب البيض أو أصحاب اللون الفاتح من أمثال أبي لهب وأبي جهل وعتبة وشيبة بن ربيعة. ولا يمنع ذلك من أن نفضّل على مستوى الأشياء والحيوانات لوناً على لون. والمناسبة التي جعلتنا نخوض في البديهيات أن المصحح أو المدقق اللغوي كما يقال، حوّل اللون الأسود إلى لون أسمر وكنت قلت أمس إن اللون الأسود وحده هو الذي يجمع بين البطل علي عبداللطيف زعيم جمعية اللواء الأبيض عشرينات القرن الماضي والدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية التي قادت عملية انفصال الجنوب أو استقلاله عن الوطن الأم. وبدلاً من اللون الأسود كتب المدقق اللغوي اللون الأسمر ولعله تصور أننا عندما نقول فلان لونه أسود نسيء إليه وذلك ليس صحيحاً بالمرة. ونحن بذلك أي عندما نقول إن علي عبداللطيف وجون قرنق اسمران فإننا نكذب والحقيقة ليست كذلك وهي أصلاً نقطة ثانوية، لكننا اضطررنا إلى ذكرها لأن القواسم المشتركة بين الرجلين الشهيرين معدومة تقريباً ولم يبق سوى اللون. وفي السودان الشمالي كثير من السود ثم إن اسم الوطن نفسه مشتق من السواد ورغم أن هذه التسمية ليست دقيقة فالسودان يزخر بكثير من الألوان وربما كان من أشهرها اللون البني الذي نسميه في عاميتنا اللون الأخضر فإننا قبلنا بها.. أي بتسمية الوطن بالسودان ولم نر فيها قط ما يسيء له وللشعب، وهناك نقطة مهمة، ففي أيام السودان الواحد الموحد كنا نتناول هنا في الشمال شؤون الجنوب والجنوبيين بكثير من الحساسية ولم يكن لذلك ما يبرره ولم يفد شيئاً في تطوير العلاقة بين الشمال والجنوب، وبالتالي تمتين الوحدة الوطنية والمحافظة على وحدة البلد. وتغير ذلك كله بعد أن انقسم البلد إلى بلدين والشعب إلى شعبين وأصبح انحياز كل طرف إلى مصالحه من صميم الوطنية. وفي نفس الوقت بل في كل الأوقات فإن تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية والألوان أيضاً.. لا تشكل إساءة لأي أحد داخل الوطن الواحد ولا تؤثر سلباً على العلاقات بين أي بلدين جارين. ودواماً نجدد التقدير للبطل الشاهق علي عبداللطيف الذي كافح ووهب عمره لأجل أن يراه سوداناً واحداً ووادياً حراً متحرراً من دنس الاستعمار البريطاني ونعيد ما كتبناه من ثلاثين سنة.. إن علي عبداللطيف لو لم يكن سودانياً لوددنا أن يكون سودانياً.