كما أنفقها رقيقة - ذات أغنية - الفنان الراحل «العاقب محمد الحسن»: (يا حبيبي نحنا إتلاقينا مرّة، في خيالي وفي شعوري ألف مرة).. تودُّ أن (تفرّقها) هيئة مياه الخرطوم على مواطنيها دقيقة بأحيائها المائية وتفاصيل تفاصيلها الشيطانية، أزمة لمياه مستقرة في الدم والحياة. (وحاة نظري يا بتي لينا إسبوع ما شفنا موية في مواسيرنا وزول اشتغل بينا مافي.. العيال مرقوا نسوي شنو عاد؟ كنا بنسمع بالقطوعات دي في محلات تانية إلا ما كانت كدي)! صوت سيّدة ستينية من مواطنات الصحافة القديمات. وانتهت التظاهرة وآمال التغيير ومشى الوزير الذي لم يفكر ألف مرّة قبل أن يتجاهل حق الناس، وبقيت المشكلة شبه عالقة في شوارع ومحال وبيوت تصلها المياه طيناً، ألف مرّة في اليوم، ولا يوجد سوى استدعاءات ماثلة واستعدادات فاشلة. فالفشل الذريع للهيئة بمحاولة إنفاذ عدادات الدفع المقدّم التي تأخرت عن الحضور مع توأمها الشقيق، من أم وأب متفقين، عداد الدفع المقدم للكهرباء! وهذه الأيام تنتهج الكهرباء خط قطوعات المياه.. شفتوا كيف؟ وما كتبه الكتّاب وصرّح به المسؤولون وما صرخ به المواطنين، لم يغير من حقيقة الواقع من شئ، رغم قرارالإقالة أو الاستقالة، فما زالت بعض المناطق مستقرة بأزمة سكانها المائية (الثورات - أم درمان، الكلاكلات أبو آدم، جبرة الصحافة، العشرة الديوم الشرقية)، ومازال الناس في بلدي يدفعون مقدّماً لإدارة شؤون حياتهم. والحياة جعلها الله من الماء، لكل شئ، والمقابل البديهي أن يموت كل شئ بدون الماء، لكن الإدارات المتجددة الأفكار بحسب دوراتهم التدريبية في بلدان أخرى تختلف طبيعتها الجغرافية والمائية عن السودان، قررت بلا هوادة أن يكون التجديد في القيادات والعدّادات، وصيانة (المواسير) في ذات أوان دفق الطمي الذي يسد تلك المواسير، والشاهد أنهم يعملون، فإذا لم تنقطع المياه بسبب القفل الرئيس، انقطعت لأسباب الخريف! وخرافة النيل، الذي ما زلنا نعيش أزمان أزماته الشاعرية، فهي تنتفي حالما تداعب يدك مازورة الماسورة، فتسمع وترى وتتذوق لحن الحياة! والهندسة العقلية والمنطقية تقول إن تقنيات تطوير خدمة المياه التي تفرد لها الهيئة إدارة كاملة بمخصصات واسعة، إنما يجب أن توجه للاستفادة من فائض مياه الأمطار رغم الطين وانسداد الشوارع والمصارف، وبرضو هي مشكلة تعاد ألف مرة! بالإضافة إلى مراعاة النسبة المتاحة للسودان من مياه النيل نظير الدول الأخرى التي لم يتم حتى الآن الدلو فيها بشكل واضح وصريح منذ العام الماضي وحتى اكتمال تمام الانفصال، حيث أنها تؤثر كثيراً على مياه السودان الشمالي تناسباً مع دولة الجنوب، وهو أمر أكثر أهمية بمراحل من نصيب البترول والذهب ورسوم العبور! لكن المؤسف أنه يوضع ضمن قوائم المسكوت عنه في ما يتعلق بحيوات الناس. والناس لا تحب العطش والظلام ولا التجاهل، وما حدث من اضطراب أمني في نهار (جمعة العطش) تلك أن الظلم والتجاهل اجتمعا واستدرجا الناس إلى التظاهر، رغم أن سلوك الخراب المنتهج من المتظاهرين غير مقبول أصلاً، فالتخريب لا يؤتي بعمار أبداً، لكن لم نملك الحل كعامة تملك ناصية الحرف أو الشارع، فهو بكامله في يد المسؤولين، ليس باستقالة وزير أو مدير هيئة أو جلسة مجلس تشريعي، إنما بتغيير نظام كامل لإدارة الخدمات والمرافق الخدمية في الخرطوم، العاصمة. فالناس لا يهمها ما بين سطور اتفاق الدوحة ولا المآلات الاقتصادية لإصدار عملة جديدة تصد العطب الكبير الذي خلقته عملة دولة الجنوب وبتروله! لكنهم، يهمهم ما يخرج من مواسيرهم، ويهمهم ألف مرة المآلات الإنسانية لأصدار قرار جديد لا يعالج العطب القديم في القطوعات. قطعاً ليس هناك وزير ولا مدير يحب أن يسمع من حكومته وبسبب قولات الشعب تصريح (إنت ما حبيبي) ولو مرّة واحدة. لذا رجاءً، اسقونا أو تغيَّروا!