{ كان الحديث عن واقع سجن المرأة الشرقية في منزل ذويها أشبه ما يكون بالأمور المُسلَّم بها، وواحداً من موروثاتنا الاجتماعية الثابتة. فالفتاة كانت واقعة بين سطوة الأب والأخ وقد لا يتجاوز حيز ممارستها للحياة إطار منزل الأسرة أو الخروج تحت حماية «ولي الأمر» وهذا كان السبب المباشر وراء العديد من حالات الزواج المبكر إذ أن الفتاة ترحّب به للخروج من هذا السجن ولو إلى سجن آخر وأهلها يسعون إليه للتخلُّص من أعباء مسؤوليتها المادية والمعنوية والارتياح من همها كونها كانت تعد كفتاة من أكبر مسببات العار وقاصمات الظهر أو هكذا يظنون. { وبهذا تكون الفتاة قد راهنت على أن سجن الزواج سيكون أرحم من سجن الأهل، أو على أسوأ الفروض هو سجن يتوفر فيه هامش أكبر ولو قليلاً من الحرية الشخصية. ورغم أن آمالها تلك غالباً ما تتبدد سريعاً، إلا أن الملاحظ في تلك الزيجات التقليدية القديمة أنها ظلت أطول عمراً وأقوى تواصلاً وأكثر احتراماً وتقديراً للمسؤولية وفهماً لأبعاد الزواج من كل الزيجات الحديثة المنسوبة لقصص الحب العصرية؟! { فمع تطور المجتمعات لا سيما القروية والريفية وتحولها إلى مجتمعات مدنية، وتحول المدينة نفسها إلى مجتمعات أممية عالمية مفتوحة، تراجع مفهوم سجن الأهل وأصبحت الفتاة أكثر حرية وتحرراً لدرجة قد تتجاوز كل الخطوط الحمراء في بعض الأحيان، وكادت سلطة الأب والأخ تنحصر في علاقة الدم القسرية المفروضة علينا، وأصبح ذلك السجن في أكبر معانيه لا يتجاوز مفهوم «القيد» وكبح جماح الخطيئة والانحراف، ولم يعد الهروب إلى بيت الزوجية غاية نفيسة لأن الأولويات والاهتمامات والقدرات والفرص بالنسبة للفتيات قد تغيرت، حتى أن بعضهن لم يعد الزواج من أي رجل غاية وطموحاً لهن وأصبح توفر علاقة قبل الزواج شرط أساسي في الكثير من زيجات هذه الأيام. ورغم أن ذلك التعارف والتقارب والتفاهم كلها أشياء أصبحت أساسية، ومتوفرة إلا أن معدلات فشل الزيجات في تزايد مستمر! فما هو السبب الذي جعل (البطيخة المقفولة) أطيب كثيراً من «بطيخة على السكين»؟! { وإذا لم أكن موفقة في التشبيه فإن العبارة الأوضح تدعو للتساؤل عن أهمية دور ذلك السجن القديم في تقديم امرأة ناضجة و(مستورة) وست بيت ممتازة للحياة رغم أنها لم تتلق التعليم الكافي ولا عركت الحياة وليس لها أي تجارب تجعلها على قدر من سعة الإدراك والمواكبة؟! { إذن.. السجن الحقيقي للفتاة لم يكن أبداً في حرص ذويها على توفير كبت للحريات وتراجع في كفالة الحق الإنساني لها، ولكن السجن الحقيقي هو انعدام الرقيب الذاتي وإحساس بعض الفتيات الخاطئ بأن آباءهن يمعنون في ظلمهن وأنهن يعرفن مصلحتهن أكثر من أولي الأمر حتى أن بعضهن يتمرد على قوامة إخوانهن على أساس أن الأخ لا يملك عليهن أي سلطة وليس له الحق في المساءلة أو التدخل، وهذا لعمري هو السجن الحقيقي الذي تمتد أبعاده إلى منزل الزوجية حين يكون الزوج قد تعرّف على تمرد زوجته على تلك القوامة، فلا تعتقدين أن الزوج الذي أدرك مدى تمردك على ذويك وكسرك لقيودك الأسرية سيحترم فيك ذلك، بل إنه سيستغل الوضع على اعتبار أنه ليس لك (وجيع) ولا (ولي) وسيُمعن في إذلالك مستعيناً بإحساسه بوحدتك وانكسارك وهذا قد يضطرك يوماً للانفجار والتمرد على سجن الذل هذا مما يتسبب في فشل حياتك الزوجية. لذلك رجاءً ضعن دائماً في اعتباركن الأهمية الكبرى لاحترام الأخ وسطوة الأب كونهما (السند والضهر). {تلويح: يسلم لي خال «إباء» والحمد لله..