عدد سكانها حوالي 11 مليون نسمة، وكانت لها أدوار مهمة في التاريخ القديم منذ عهد الأمازيغ والفينيقيين والقرطاجيين، فتحها المسلمون في القرن السابع الميلادي وأسسوا فيها مدينة القيروان سنة 50 ه لتكون أول مدينة إسلامية في شمال أفريقيا. تونس تتنفس الحرية مع نفحات الشهر الكريم، بعد الإطاحة بالرئيس «بن علي» ونظامه والذين كبتوا أنفاس الشعب التونسي سنين طويلة، يدخل عليهم رمضان هذا العام وهم يؤسسون لعهد جديد وميلاد عظيم، ويمارسون شعائرهم الدينية بعد طول غياب من دون خوف. يبدأ المواطن في تونس الاستعداد لشهر رمضان المبارك قبل قدومه بأيام عدة، حيث تنشط الأسواق ويغدو الليل كالنهار كله حركة وحياة في أجواء من المشاعر الدينية العميقة. ويتميز رمضان في تونس بمظاهر كثيرة ومتنوعة، والاحتفال به له خصوصية، حيث يتميز الشهر الكريم بعادات أسرية، منها إقامة مواكب الخطبة بالنسبة للفتيات وتقديم الهدايا ليلة 27 رمضان، وتسمى «الموسم» للواتي تمت خطبتهن. ويقع اختيار هذه الهدايا حسب إمكانيات العائلة كما تحتفل بعض العائلات في ليلة القدر بختان أطفالها بتنظيم سهرات دينية تحييها فرق السلامية إلى حدود موعد السحور الذي كان يعلن عنه وما زال في بعض الأحياء الشعبية «بوطبيلة» أي «المسحراتي». وتنظم العائلات الميسرة سهرات «سلامية» احتفالا بالشهر المعظم. و»السلامية» مجموعة من المغنين ينشدون على ضربات الدف أدوارا تمجد الرسول الكريم والأولياء الصالحين أو بعضا من أشعار الصوفيين. وهذه الاحتفالات تقتصر على الرجال حتى يومنا هذا غير أن النساء يشاركن من بعيد بالزغرودة عند أجمل المقاطع. وفي هذا الشهر المبارك تتلألأ الأحياء الشعبية في المدينة، إذ تضاء واجهات المقاهي وقاعات الحفلات وأكاليل المصابيح المتعددة. ولمائدة الإفطار التونسية نكهة خاصة لدى العائلات التي تصر على الحفاظ على تقاليدها وعاداتها، ومن العادات الحميدة التي تواكب هذا الشهر الكريم من ليلة دخوله التي يطلق عليها في تونس «ليلة القرش» ما يعده التونسيون في تلك الليلة من حلويات. ففي تونس يهيأ عادة إما طبق «الرفيسة» المكون من الأرز المطبوخ بالتمر والزبيب أو «المدموجة» وهي ورقة من العجين المقلي مفتتة ومحشوة بالتمر والسكر. وفي الشمال الغربي لتونس تحضر «العصيدة» بالدقيق والعسل والسمن أما في الساحل فتصنع الفطائر بالزبيب في حين أن أهل الجنوب يطبخون «البركوكش» وهو دقيق غليظ الحبات يطبخ بأنواع من الخضر. وانطلاقا من اليوم الأول لهذا الشهر الكريم تأخذ مائدة الإفطار صبغة خاصة وتعد في هذه الأيام أطباق من أشهى المأكولات التونسية أبرزها طبق البريك الذي يتصدر المائدة في كل البيوت وبصفة يومية وهو عبارة عن نوع من الفطائر تصنع من أوراق الجلاش، وتتشابه مع السمبوسة ولكنها فطائر كبيرة الحجم تحشى بالدجاج أو اللحم في مختلف المناطق غير الساحلية مع إضافة البصل والبقدونس المفروم والبطاطا وتقلى بالزيت. وبعد تناول البريك يأتي دور الحساء وخاصة «حساء الفريك» باللحم أو الدجاج. ويكثر في ليالي رمضان تبادل الزيارات بين الأقارب والأحباب وتكون مناسبة لإقامة السهرات وإعداد الأصناف المتنوعة من الحلويات المميزة لهذا الشهر كل حسب عاداته وإمكاناته. ويحلو في مثل هذه السهرات تقديم أكواب الشاي بالصنوبر والشاي الأخضر المنعنع والقهوة المطحونة خصيصا للشهر الكريم. ويحتل شهر رمضان مكانة روحية عميقة لدى التونسيين، حيث تمتلئ الجوامع في كل محافظات البلاد والذين يفترشون الشوارع والأحياء التي تقع بالقرب من الجوامع، وتصدح المآذن بتلاوة القرآن التي يؤمنها أئمة من خريجي جامعة الزيتونة للعلوم الإسلامية، ويتسابق التونسيون عقب إفطارهم إلى حضور صلاة التراويح، ومواكبة مجالس الذكر وحلقات الوعظ الديني والمحاضرات والمسامرات الدينية، وتلاوة ما تيسر من القرآن إلى جانب عدد كبير من الأختام والإملاءات القرآنية، وحصص لختم الحديث النبوي الشريف. وتشهد أعرق الجوامع في تونس، على غرار جامع الزيتونة بالعاصمة، وجامع عقبة بن نافع بالقيروان، احتفالات دينية خاصة طوال شهر رمضان، وتتحول إلى قبلة لآلاف الزوار من دول عربية وإسلامية لا سيما في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر، وليلة 27 التي تختم فيها تلاوة القرآن، ويمثل شهر رمضان مناسبة للتكافل الاجتماعي، ولتدعيم أواصر الأخوة للمجتمع التونسي، حيث تنتشر «موائد الرحمن» في مختلف أنحاء البلاد، كما يتبارى الجميع في تقديم المساعدات إلى الأسر الفقيرة، وفي تنظيم قوافل تضامنية تقدم هدايا ومبالغ من المال للمحتاجين.