هل لحملات تقنين الوجود الأجنبي في البلاد علاقة قريبة أو بعيدة بإنفاذ عقوبات بفئة محددة من مواطني دولة مجاورة، للحساسيات السياسية بينها والسودان؟ - الإجابة مضمّنة داخل السؤال! - فنحن نعلّم تمام العلم أن مثل هذه الحملات لا تتعدى مساحة دوران عجلة حديد سيارة (الكشّة) ليعود الأجانب بعد تسويات مالية واجتماعية، إلى ذات المكان القديم. الجديد في الأمر أن الوجود الأجنبي صار أكثر تمدداً وانتشاراً من الوجود الوطني، في كافة الأشياء من التسكع البرئ على الشارع إلى التوظيف الخدمي. وربما ليس جديداً حتى في ظل أفضلية التوظيف لكافة الوظائف للعامل الأجنبي، وعلو مؤشر البطالة إلى آخر فرصة قبل الانفجار، فإن احتمال أمر مثل هذا للشباب صار غير مقبول، بل وصل إلى حد الجرائم التي نشاهدها يومياً على شاشة المحاضر والجرائد. إن التجرد من الوطنية الذي يخلع به بعض المرتزقين رداء الإنسانية ليتلبسوا ربح المتاجرة بالبشر مقابل ألف جنيه - للرأس - جعل من السودان مكباً بشرياً لأسوأ الأمراض والجرائم والأخلاق والعمالة حتى. المؤسف أن الأمر بعيد جداً عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حيث أن الدخول منذ بدايته غير شرعي فلا يعلمون به, وتترتب عليه كافة أشكال الخروقات للإنسانية من إساءات نفسية إلى جسدية. وتتجسد في الخرطوم كعاصمة أكبر جدارية تعلّق على حائط عاصمة لوطن لا يستطيع حماية مواطنيه فما بالك باللاجئين إليه؟ أحياء كبرى تمزقت خريطتها الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية جراء هذا الوجود غير المقنن واللا شرعي. وتبعثرت خلاياها الصحية جراء هذا البقاء المذّل لصلاحية الوجود داخل بلد يستر عورة معدتهم من عري الجوع، ويغطي جلدهم من برد الخوف، وأولو الأمر مشغولون جداً عن كل ذاك بتغطية البنايات بالكلادن، ولوي عنق الأشجار لتجميل وجه مملوء بالجدري وبقايا طاعون عصر جديد. وقديم الهجرات إلى السودان أنها لم تكن متاجرة بالبشر، بل كانت دخولاً اقتصادياً أو اجتماعياً وإلى حدٍ ما لجوءاًَ سياسياً، لما يمثله هذا البلد من درجات للأمان الإنساني العالي والتواضع التعاملي فلا ترى عنصرة لفرد بحسب لونه أو سحنته. هذه الأمور اختفت حالما ذابت داخل المجتمع السوداني أفكار أصحاب القبعات البيضاء، فصرنا نسمع بأم أعيننا الاعتداءات الإنسانية على لاجئين قذفت بهم الحروب والتجاوزات السياسية إلى هنا. ولا تستطيع مهما طغى وجع قلبك أن تقول العكس، فمن يتغوّل يستند على وضع نظامي أو تنظيمي لا شك! وصار الشك يساورنا من كثرة الاختلال الاجتماعي الذي صار سمّة مميزة للمجتمع، هل نحن في السودان أم مكان آخر من هذه الدنيا؟! من قولبة الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي فابن البلد هو المطارد ومطالب بإثبات الرقم الوطني والبطاقة وإثبات مَنْ معك؟ ولماذا؟ وإلى أين؟. وهو المسحوق من الفقر المستمر فيه بلا هوادة. وهو المعطّل عن العمل لأنه ود بلد لا ينتمي لحزب ولا أسرة عريقة ولا شيء سوى نفسه وحرفته - فالشهادات لم تعد ذات أهمية! - نعم، ليس ذا أهمية كل هذا الحديث وكل تلك الحملات وكل تلك الأحاديث والتصريحات لمعتمد أو والٍ أو وزير. ما دامت حدودنا مفتوحة ليلاً لسماسرة البشر، ونهاراً للاجئين بلا أسباب سياسية أو اقتصادية - وإن حدث فهناك جهات ترفع العبء عن كاهل الحكومة قليلاً - وما دام الكثير من المتجاوزين يجدون فرصاً مواتية للخروج من كل ضائقة قانونية بالاتصال بالرقم الموضح على شاشة معرفته أو بصديق! ما دامت الدولة السودانية لا تريد أن تحكم قبضتها إلاّ على أبنائها ليصيروا هم نفسهم، لاجئين في بلدان أخرى يتذوقون فيها من هذا الكأس، لكن بالتأكيد بشكل أفضل كثيراً فهناك لا يمكنك أن تدخل تهريباً ولا يوجد أرقام سوى لخدمات اللاجئين ولا يمكنك أن تتلفت جاي ولا جاي، فأينما وليت وجهك ثمّة من يقول لك: (ورقك وين؟!).