{ في العديد من المناسبات، أو حتى عبر الطرقات، تصادفني بعض الأمهات بصحبة بناتهن وهن يرتدين ملابس غريبة وعجيبة، ويضعن مكياجاً صارخاً ويأتين بتصرفات أقل ما يقال عنها شاذة!! وتكون الأم في كامل هدوئها وفرحتها، ترسم على وجهها ابتسامة عريضة وهي تزهو بهذه البنت العصرية الدلوعة!! { فهل تكون هي بذلك أيضاً أمّاً عصرية؟! إذن فأنا للأسف أم رجعيّة، وأمي كذلك، وحتى جدتي كانت كذلك، وقد نصنّف ضمن أسباب التخلف الذي نرزح تحت وطأته منذ سنين. { وكنت من قبل قد تحاملت جداً على الفتيات اللائي يبالغن في الجري وراء الموضة بآخر صرعاتها وتقاليعها الخارقة لكل الأعراف والتقاليد، والمتمردة على التوجيهات والأحكام الشرعية الحنيفة. ولازلنا نتساءل عن الأسباب التي تجعل أولئك الفتيات يأتين بكل تلك الأفاعيل دون خجل أو حياء، وذهب بعضنا لاتهام الآباء بالتهاون في إحكام المراقبة على بناتهم وطريقتهن في اللبس، وحتى سلوكهن العام، واعتقدنا أن ذلك يخصم من مسؤوليات الآباء والإخوان ويشير إلى انخفاض معدلات النخوة والرجولة «وحرارة القلب» والالتزام لديهم. { غير أنني - بعد الملاحظة الدقيقة - اكتشفت أن تهاون الأمهات أكثر، ودورهن في هذه المهزلة أكبر، كيف لا وهن يدفعن بناتهن للإتيان بكل ما هو ملفت للأنظار اعتقاداً منهنّ بأن ذلك «يحرر سوقهن» ويرفع أسهمهن في المجتمع، ويذهبن لأكثر من ذلك بالمداراة عليهن وحمايتهن من صرامة آبائهن وعصبية إخوانهن للدرجة التي تدفع بعض الأمهات للكذب وتلفيق المبررات والتستر على تصرفات بناتهن المتهاونة وغير المسؤولة وحتى المريبة، على اعتبار أنهن شابات مقبلات على الحياة و«انطلاقتهن» بحرية يدلل على رقيهن ودعتهن ومحبة أمهاتهن!! { وفي العديد من المناسبات الاجتماعية تدخل الأم وبجانبها ابنتها الشابة فتكاد لا «تفرز» الأم من الابنة من كثرة الأصباغ واجتهادهن في إبراز مفاتنهن بإطلاق شعورهن وتضييق وتقصير ملابسهن والاتشاح بأثواب شفافة وبراقة لا تستر ولا تغنى عن سفور!! فهل هذا ضرب من الأمومة المعاصرة؟! وكيف يمكن لهكذا «أم» أن تساهم في اعداد «أمّة» عبر هؤلاء «الأمهات» الحاسرات المتمايلات؟ وكيف لها - وهي تتبنى هذه المواقف - أن تمعن في توبيخهن على سلوك غير لائق أو تعلمهن الأخلاق الحميدة والتقوى والإحساس بالمسؤولية والتهذيب واحترام النفس والآخرين والإخلاص والعفة. { إن بعض الأمهات يتعاملن مع بناتهن كسلع للاتجار تعرض في سوق «النخاسة» في انتظار المشتري، الذي لا يهمّ كثيراً حينها معدل تدينه أو تقديسه للزواج أو حبه وتعاونه، بقدر ما يهم حسابه المصرفي الذي يساعد هذه الفتاة المسكينة على امتلاك العديد من الأزياء العصرية والثياب المطرزة الشفافة والحلي البراقة والأصباغ الفاقعة والأحذية ذات الكعوب العالية والسيارات الفارهة والأثاثات الجديدة التي تفتن الأنظار، وإذا قُدر لمثل هذه الزيجات الاستمرار ستلحظ حتماً مدى التردي الأسري والتفكك الذي يلحق بالأبناء والزوجين ومن ثم المجتمع الذي لا نعفيه من المسؤولية، كونه يصفق لمثل أولئك الأمهات العصريات الفاشلات. { تلويح: هل تعلم أن الفتاة المتحررة تتمرد أول ما تتمرد على تلك الأم التي أعانتها على ذلك التحرر؟!!