{ لستُ من أنصار تعيين حاكم (مدني) في ولاية النيل الأزرق خلال الأسابيع القادمة، بل وحتَّى نهاية هذا العام (2011)، ليس هذا فحسب، بل إنَّني أدعو بشدة إلى تعيين حاكم (عسكري) على ولاية جنوب كردفان، عاجلاً غير آجل، ولكن بمواصفات وقدرات اللواء الركن «يحيى محمد خير».. { قد يبدو هذا الموقف غريباً، خاصَّةً عند المتمسِّحين بمسوح الليبراليَّة الزائف، المتصنِّعين للسياسة، المزايدين بشعارات الحريَّة، والتعدديَّة، وحقوق الإنسان، التي تدفعهم بالضرورة إلى بُغض (العساكر)، وربط (العسكريَّة) بكل ما هو قبيح، على الأقل سياسيَّاً..!! { الأغرب أن أحزابنا السياسيَّة، خاصَّة (المعارضة) منها، تعيش باستمرار حالة (إدارة عسكريَّة) عجزت معها الكوادر (الديمقراطيَّة) عن إحداث أي تغيير، ولو محدود، في طريقة اختيار (رئيس الحزب)، وتعيين هيئاته القياديَّة، والأمثلة شاخصة للعيان في (الحزب الاتِّحادي الديمقراطي - الأصل) الذي يختلف فيه كل الأعضاء والقيادات مع بعضهم البعض، ولكن لا أحد يجرؤ (ديمقراطي أو غير ديمقراطي) على المساس ب (الذات الرئاسيَّة)، وإلاَّ كان مصيره الإحالة إلى لجان التحقيق التابعة لمكتب (المراقب العام). وآخر النماذج ما جرى للدكتوريْن الجليليْن «علي أحمد السيد» المحامي، و«الباقر أحمد عبد الله»..!! من هو المرشَّح المحتمل لخلافة (مولانا) الميرغني على رئاسة الحزب التي لم تخضع لامتحان (انتخابي) حتى الآن منذ وفاة الرئيس «إسماعيل الأزهري» عام 1969..!! حزبٌ لم ينتخب رئيسه منذ (42) عاماً.. كيف يكون حزباً (ديمقراطيَّاً)، وليس (عسكريَّاً).؟! { في حزب (الأمَّة القومي)، لن تجد (إجماعاً)، لا، بل لن تجد مقترحاً - أصلاً - باسم خليفة للسيِّد الإمام «الصادق المهدي» الذي إذا غاب لأيِّ سبب من الأسباب - لا قدَّر الله - سيصبح حزب الأمَّة في (خبر كان)، فلن يجمع (عشرة أشخاص) على ترشيح أحد أبنائه، أو كريماته، ورغم النشاط الظاهر للأخت الدكتور «مريم»، إلاَّ أن حزباً تقليديَّاً يستند على طائفة دينيَّة (سودانيَّة) لن يقبل - في الوقت الراهن - بتقلُّد امرأة لمنصب الرئاسة.. ولن يجمع (خمسة كبار) على ترشيح «مبارك الفاضل» ولا الفريق «صديق اسماعيل»، ولا الأستاذ «عبد الرحمن الغالي»، ولا... ولا... ولا...!! إذن، كيف تكون الديمقراطيَّة ماثلة عياناً بياناً وهي ترسي للمؤسسيَّة، بينما إذا غاب (الرئيس).. غاب الحزب!! وهذا ما يحدث بالضبط أيضاً في (المؤتمر الشعبي).. فإذا غاب الشيخ «الترابي»، بالاعتقال، أو السفر، غاب الحزب..!! { في الحزب الشيوعي.. تتحكم اللجنة المركزيَّة (القديمة) في اختيار اللجنة المركزيَّة (الجديدة)!! والدليل على (ديمقراطيَّة) وسعة أفق وصدر هذه اللجنة أن رجلاً بقدرات وشأو.. وجلبة الأستاذ «كمال الجزولي»، لم ينَل رضا (القدامى) ليصبح عضواً باللجنة المركزيَّة (الحاليَّة) التي لا بدَّ أن يتشرف كل (شيوعي) ملتزم بالالتحاق بقائمة عضويَّتها..!! { أما الإخوة (البعثيُّون) فعسكريَّتهم (صدَّاميَّة) - من صدام حسين - دمويَّة.. انقلابيَّة، ولا تحتاج منا إلى كثير تفصيل.. و(الناصريُّون) كذلك.. فلم يُوصف الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» بأنَّه (ديمقراطي) - على الإطلاق - لا في حياته، ولا بعد مماته..!! كان زعيماً وطنيَّاً، ولكن على طريقته، التي لا علاقة لها بأصول وأعراف (الديمقراطيَّة). { إذن.. لماذا (حاكم عسكري) في النيل الأزرق والدمازين..؟! { الإجابة: لأن (الوالي) المدني بالضرورة سيكون من (المؤتمر الوطني)، و(المؤتمر الوطني) في النيل الأزرق مجرَّد واجهة هزيلة، وكيان فارغ، فضح فراغه «مالك عقار» عندما (اشترى) عدداً من قياداته وكوادره السابقة وأغراها بالمال والسلطة، بينما (المركز العام) كان يتفرَّج على تلك (الفضيحة)، ولا أدلَّ على ذلك ممَّا أكَّده الحاكم العسكري للنيل الأزرق من أنَّهم ضبطوا وثائق (مخطَّط التمرُّد) بحوزة أحد قيادات (المؤتمر الوطني).. وهو مستشار للوالي (المقال) «مالك عقار»!! { لقد طغى الولاء للقبيلة، ثم للمال والسلطة، في سياسيي النيل الأزرق، بصورة مفزعة... ومقلقة.. ولم يعد هناك مجال لمصداقيَّة الولاء السياسي، وعندما تغيب (الأحزاب) - كل الأحزاب - وتصبح سروجاً للأطماع الشخصيَّة، والمغانم، والمناصب، فلا خيار سوى اللجوء إلى المؤسَّسة العسكريَّة (القوميَّة) التي تمثِّل كل أبناء السودان واتِّجاهاته، وقبائله، وأكثر ما يعجبني - الآن - أنَّ حاكم «النيل الأزرق» من «دنقلا».. مثلما كان «الحاج آدم» - من دارفور - حاكماً للولاية (الشماليَّة) في سنوات التجانس والوحدة الوطنيَّة واللمة الشعبيَّة في سنوات الانقاذ (الأولى)!! { على (المؤتمر الوطني) أن يعترف بأنَّه لا يملك (حزباً) في النيل الأزرق، وعليه أن يبدأ (من البداية).. من (الأساس)..!! ويستبعد (غالبيَّة) القيادات الحاليَّة، أو تلك التي ساندت «عقار» وتبحث - الآن - عن طريق للعودة، على ظهور (القبائل)!! { في جنوب كردفان.. الوضع يحتاج إلى المزيد من (الفاعليَّة) لحسم التمرُّد سريعاً، رغم طبيعة المنطقة ووعورتها.. كما أنَّ (الولاء السياسي) يعاني أيضاً من التضعضع، بدليل أنَّ الوالي (المنتخب) «أحمد هارون» لم يحصل على أصوات (مريحة) و(منتظرة) في مناطق (غرب) الولاية لأسباب يعلمها قادة (المؤتمر الوطني) جيداً. { إذا ضعف الولاء السياسي.. ضعُفت الفكرة.. وصارت الأرض مرتعاً لتداخلات وتقاطعات (إثنيَّة)، و(جهويَّة)، و(شخصيَّة)، وهذا أكبر مهدِّدات الاستقرار في أي منطقة في العالم. { أمريكا - راعية الديمقراطيَّات - اختارت (الجنرال) «كولن باول» وزيراً للخارجيَّة و(قائداً) للدبلوماسيَّة..!! واختارت لنا (الجنرال) «سكوت غرايشن» مبعوثاً خاصَّاً ليساعدنا في حل مشاكلنا (السياسيَّة)!! فلماذا نستحي من أن نختار لأنفسنا (جنرالاً) من بني جلدتنا في منطقتيْن (مسرح عمليات) إلى أن ينجلي غبار المعارك.. شهرين أو ثلاثة.. وليس أكثر؟!