على باب مصر تدق الأكف ويعلو الضجبج جبال تدور رياح تثور بحار تهيج وكل تساءل فى دهشة وكل تساءل فى حيرة أين ومن وكيف إذن أمعجزة ما لها أنبياء أدورة أرض بغير فضاء وتمضي المواكب بالقادمين فمن عصر مينا إلى عصر عمرو ومن عصر عمرو لعصر جمال وصاح من الشعب صوت طليق قوى أبى عريق عميق يقول أنا الشعب والمعجزة أنا الشعب لا شيء قد أعجزه أبيات من قصيدة جميلة أبدعها الشاعر كامل الشناوي الذي توفي منتصف ستينات القرن الماضى وكان أحد أرق الشعراء العرب وكان كاتباً صاحب أسلوب ومقالب وصحفياً مرموقاً ونجما فى ليالي القاهرة ومجتمعاتها وقد غنت له القصيدة سيدة الغناء العربي أم كلثوم عام 1964م فى الذكرى الثانية عشرة لثورة يوليو 1952م ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب. وكانت ثاني لقاء فني يجمع بينه وبين أم كلثوم بعد اللقاء الأول الشهير الذى قدما فيه الأغنية الأشهر (إنت عمرى) وكنا فى عمود سابق قلنا إن اللقاء الثانى بينهما تمثل بأغنية (أمل حياتي) ونعتذر للقراء فالدقة أو التدقيق فى ذكر المعلومات واجب. لقد غنى المصريون لعبدالناصر أكثر مما غنوا للسادات، وغنوا للسادات أكثر مما غنوا لمبارك وكان غناؤهم للأول هو الأجمل ومن الملاحظات أن الأغنيات التى تمجد نظم الحكم والملوك والرؤساء تؤلف وتردد وتذاع فى الدول النامية ومن شبه المستحيل أن تسمع أغنية وطنية فى الإذاعة الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية تمجد الرئيس أوباما أو رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أو الرئيس ساركوزي أو المستشارة أنجيلا ميركل، فكان تمجيد الرؤساء والملوك عادة موجودة فقط فى الدول النامية وينعدم وجودها فى العالم المتقدم الغني القوي الذي يسمى العالم الأول وهذا التمجيد بالغناء الذى يتلقاه الحكام يحدث فى النظم الشمولية ويندر بل يكاد ينعدم فى الدول الديمقراطية ولنا فى السودان نصيبنا الوافر من الأغنيات الوطنية وبعضها تمجد الوطن وبعضها يمجد بعض المراحل ونظم الحكم وبعض العهود وهي أكثر خلال عهود نوفمبر58 ومايو 69 والإنقاذ ولم نغن تقريباً لزعماء النظام الديمقراطي رغم أنه كان منهم آباء الاستقلال وربما رجعت أسباب عدم غنائنا لهم أن عهودهم كانت قصيرة للغاية وأنهم والأجيال التى حكمت بعدهم عجزوا عن تحقيق إنجاز كبير آخر يضاف إلى الاستقلال، وحتى الديمقراطية فإنهم فشلوا فى المحافظة عليها فى أعوام 58 و69 و1989م لكنهم حافظوا على وحدة السودان رغم أنه كان لهم دور فى ما بعد يختلف الناس فى حجمه فى تسهيل عملية تقسيم السودان إلى دولتين وضياع الوحدة ولكن وكما قلنا كثيراً فإن الدور الأكبر فى هذا التقسيم ينسب للحزبين اللذين كانا يحكمان البلد عند حدوثه أكثر مما ينسب إلى أية أحزاب أو جماعات ومنظمات وقوى سياسية أخرى. وقبل أن نختم نقول إن معظم أغنياتنا الوطنية نظمت بالعامية وكانت كلماتها جميلة وألحانها أيضاً كيف لا ونحن شعب محب للغناء ومتفوق فيه.