جاء إلى مباني (الأهرام اليوم) مثقل الخطى.. متهدج الأنفاس.. الإعياء يكسو ملامح وجهه، هو كمال محمد عباس قلندر الذي عاد لتوه من تركيا بعد أن ذهب إليها مستشفياً مستفيداً من البروتوكول الطبي المجاني بين تركيا والسودان عندما تعثر علاجه بالداخل.. إلا أن رحلة العلاج لم تكن أرحم من العلل التي تتناوش جسده السقيم.. ليعود وفي يده تقرير طبي لا ينتمي لحالته الصحية بصلة. أمل وألم في منتصف الظهيرة بعد اتصال هاتفي من شخص يرجو مقابلة رئيس التحرير، دخل كمال محمد عباس- ضابط معاش بالقوات المسلحة، إلى قسم التحقيقات، شخص في الستين من عمره يتوكأ على عصا الإعاقة، تتساقط حبيبات العرق من جبينه، تسيل على عنقه وصدره وهو يلتقط أنفاسه المتهدجة. جلس على الكرسي يروي معاناته مع المرض التي تقشعر لها الأبدان.. حجبت إرادته وقوة تحمله الكثير منها، جسمه المنهك من الحياة أصبح مرتعاً خصباً للكثير من العلل والأمراض، ذهب مستشفيا إلى تركيا وهو يعاني من تليف حاد في الرئتين بنسبة 70% ولا يستطيع التنفس إلا بوساطة جهاز، وأصيب باضطرابات في القلب وانزلاق في الغضروف في الفقرتين الرابعة والخامسة حسب تقرير المجلس الطبي العسكري في يوم 19/5/2011م، ذهب إلى تركيا بعد أن قرر القمسيون الطبي القومي سفره للعلاج بالخارج برفقة شخص واحد.. فرح بالقرار وذهب برفقة ابنه في معيته (10) آلاف جنيه.. ركب المجهول إلى تركيا ولم يدر كم يحمل في طياته من المخاطر، كان كلما أقلعت الطائرة واضمحلت صورة الجبال والصحراء كانت نفسه تحلق لمعانقة أمل الشفاء الموعود، لكن هذا الأمل تبعثر وتلاشى واصطدم بواقع لم يكن يتخيله.. غاص في هوة عميقة من الإهمال في أسوأ صورة كما روى كمال قلندر ل(الأهرام اليوم). مكث في مستشفى بأنقرة (9) أيام.. وأوضح قلندر أنه لم يتلق أي نوع من العلاج «ولا حبة أسبرين»، وبعد جهد جهيد أحضر إليه الأوكسجين مرة واحدة فقط، الأمر الذي جعله يطالب المستشفى بالعلاج الذي كان عبارة عن تركيب قسطرة في الظهر وفحص وظائف الرئة وجهاز تنظيم ضربات القلب. وأضاف والحسرة والغضب يعلوان ملامحه: «أقنعوني بالذهاب إلى غرفة أخرى ووعدوني بالعلاج وإجراء الفحوصات إلا أن ممرضة جاءت إليّ تحمل في يدها حقنة كبيرة جداً وهمت بحقني إلا أن العناية الإلهية أنقذتني حيث دلتها زميلتها على أنها لمريض آخر في نفس الغرفة». وقال قلندر وهو يستعرض شريط ذكرياته المريرة في غرفة هجرتها العافية والوجوه المألوفة، وأصبح غريب اليد واللسان إنه لم يجد أحدا يتحدث العربية، ولا مترجما ولا طبيبا سودانيا. ويتابع: في تلك الأثناء تم حقني بحقنة لم تكن سوى حقنة تخدير، بعدها وجدت نفسي خارج المستشفى وقيل لي إن علاجك انتهى. خرج بعد صرف كل ماله في الإعاشة والترحيل والتنقل وتم إعطاؤه تقريرا طبيا لا ينتمي إلى حالته بصلة قال إنه «وصفت فيه بأنني مريض متعاون وأنه تم إجراء اللازم وأن شخصي معافى تماماً والتقرير مكتوب باللغة التركية». تكاليف باهظة (الأهرام اليوم) اطلعت على البروتوكول حيث كان أول بنوده أن يضع الشخص المريض في حسبانه تكاليف تجهيزه إذا حدثت الوفاة وهي حوالي (4150) دولارا وتكاليف المعيشة في اليوم الواحد تتجاوز (400) دولار للفرد مما دفعنا إلى التساؤل: لماذا وقعت وزارة الصحة على بروتوكول مجاني يحمل في طياته تكاليف باهظة؟ هل الأمر مساعدة للبسطاء أم مجرد مجاملات دبلوماسية وتبادل ابتسامات؟ لماذا لا تتابع وزارة الصحة مرضاها المبتعثين وتقف على حالتهم؟ ولماذا لا يوجد طبيب سوداني يقوم بمتابعة الحالات؟ هل هي فرحة العلاج المجاني التي تجعلنا نقبل أي شيء أم أن الالتزام المادي أهم من الالتزام الأدبي؟ الصحة الدولية توضح ولمعرفة إن كانت المشكلة في البروتوكول أم في تطبيقه تحدثنا إلى نائب مدير الصحة الدولية بوزارة الصحة الاتحادية الدكتور عماد الدين إسماعيل الذي قال ل(الأهرام اليوم) إنه لا علم له بحالة المريض (كمال قلندر) أو تفاصيلها ووعد بالاتصال به والوقوف على ما حدث معه والآخرين. وأوضح أن توقيع البروتوكول تم في 2007 وجرت إجازته بوساطة البرلمان التركي وقد بدأنا تطبيقه في 2009م، مبينا أن تركيا لديها علاقة قوية وتعاون في المجال الصحي مع السودان وقدمت دعما كبيرا وآخره المستشفى الدولي في مدينة نيالا ويضم (150) سريرا، وأضاف أن تركيا فتحت مجال التدريب للممرضين والسسترات وقال إن لديهم استعدادا لدعم السودان وفرص العلاج المجاني بتركيا مما يخدم صحة المواطن وعلاج الأمراض رغم الطفرة العلاجية في السودان، إلا أن بعض التخصصات غير موجودة ومستوى الخدمات الصحية متطور ومن هنا جاءت مبادرتنا لعلاج المرضى ولمعالجة الحالات غير المتوفرة أو بها صعوبة وهي فرصة لعلاج (100) حالة مجاناً فيما يتكفل المريض بالإقامة وأي مصروفات أخرى وهم يتكفلون بالعلاج مجاناً، وقال عماد الدين إن هذا تم بوضع لائحة تنظم العلاج بالخارج عبر بوابة القمسيون الطبي واللجنة الفنية توصي بالعلاج بالخارج بعد استيفاء جميع أوراق الشخص وتعرض هناك التقارير على المراكز المتخصصة لكي تجد المنطقة المناسبة لعلاج المريض وترسل الموافقة على علاج المريض المجاني، وأوضح أن لديهم سكرتارية تقوم بالاتصال بالمريض والتنسيق وتتكفل تركيا باستقبال المريض بالمطار والحجز وتسهيل الحصول على التأشيرة واعترف نائب الصحة الدولية بوزارة الصحة بأن لديهم مشاكل يسعون إلى حلها وهي مشكلة حاجز اللغة وقال إن الأطباء الأتراك لا يتحدثون غير التركية وقال إنهم لا يتابعون مباشرة مع المرضى فهم يحصلون على تقارير من المستشفيات عن حالة المريض، وقال: حصلت حالات وفاة ولكن الوفاة تحصل في أي بلد في الدنيا وهي قضاء وقدر. وحول البند الخاص بتجهيز الموتى قال: ليس في الأمر غضاضة، وأكد أن ذلك من أخلاقيات المهنة حتى لا يفأجا المريض بتكاليف يضعها في حسابه مؤكداً أن مثل هذه الأمور فيها صعوبة في ثقافتنا. في حالة الوفاة لاحظت (الأهرام اليوم) أن أول الاحتياطات الموضوعة في تجهيز المتوفين من المرضى أنها تتم بوساطة مكتب متخصص وتتراوح التكلفة بين (100 150) دولارا وتجهيز الصندوق والمواد المستخدمة لحفظ الجثمان والنقل وإكمال المعاملات مع السلطات المحلية أيضاً تقوم به شركات خاصة بقيمة 1200) 1500) والشحن إلى السودان وتقدر قيمته في المتوسط ب(2500) دولار تزيد أو تنقص حسب الوزن، ومن المعلومات التي تحصلت عليها (الأهرام اليوم) حول العلاج بالجمهورية التركية للمستفيدين من البروتوكول الطبي بين السودان وتركيا (العلاج المجاني) تقدم تقارير المرضى إلى السفارة التركية بالخرطوم، أو سفارة السودان بأنقرة بوساطة وزارة الصحة السودانية لتنظر في إمكانية العلاج بعد موافقة وزارة الصحة الاتحادية على استقبال الحالة تتكفل الوزارة بالعلاج والعمليات والدواء في ما عدا بعض الأدوية التي لم تحدد بعد داخل المستشفى للمريض فقط ولا تقدم أي خدمات للمرافق يكون العلاج بالمستشفيات الحكومية في المدن التركية (أنقرة وإسطنبول) وترتب وزارة الصحة التركية استقبال المرضى بالمطار بعد إعلامها مسبقاً بموعد الوصول بوساطة السفارة التركية بالخرطوم وفي حالة ضرورة قضاء المريض فترة نقاهة عقب العلاج أو العملية خارج المستشفى يتكفل ومرافقة بتكلفة الإقامة والإعاشة والترحيل على النحو التالي: الإقامة في فندق معقول تتراوح ما بين (35-60) دولارا أمريكيا في اليوم والإقامة في الشقق الفندقية حوالي 100 دولار في اليوم والمواصلات الداخلية يتراوح مشوار السيارة ما بين 10 25 دولارا أمريكيا والحافلات ما بين دولار ونصف الدولار إلى 5 دولارات أمريكية ويتراوح سعر الوجبة المعقولة للفرد ما بين 10 15 دولارا أمريكيا ونظراً لحتمية احتياج المريض لمترجم للغة العربية إذ أن الغالبية العظمى من الأتراك لا سيما في الحقل الطبي تتحدث اللغة التركية فقط ويحتاج المريض لخدمات ترجمة فورية في المستشفى قبل وأثناء وبعد العلاج تتراوح ما بين 35 إلى 50 دولارا أمريكيا يومياً ونظرا لارتفاع تكلفة المعيشة عموماً في تركيا نوصي بقدوم مرافق واحد مع المريض ما أمكن ذلك وتفادي حضور السيدات والأطفال والانتباه إلى ضرورة السفر إلى تركيا بتذكرة صلاحيتها ثلاثة أشهر على أقل تقدير لأن فترة العلاج غالباً ما تمتد لأكثر من شهر ومراعاة تجديد الإقامة حال انتهاء سريانها لا سيما بالنسبة للمرافقين، علماً بأن رسوم التجديد 250 دولارا أمريكيا.