مع مطلع شهر أكتوبر في كل عام يجتر البعض ونحن منهم حدثين مهمين هما ثورة أكتوبر 64 م وحرب السادس من أكتوبر 1973م ، ورغم أنه تأكد لنا أن النظام الذى ثرنا ضده في الخرطوم وبقية مدن القطر لم يكن سيئاً إلى تلك الدرجة وأنه خاصة من الناحية الاقتصادية كان قد وضع نفسه في بداية الطريق وكان من الممكن لو أنه لم يسقط في أكتوبر 64 أن يجعل من السودان نمراً أفريقياً على وزن النمور الآسيوية التى حققت في ما بعد نجاحات هائلة في الاقتصاد ومعدلات عالية في التنمية، إلا أنه ما زال يطيب لكثيرين منا أن يتحدثوا عن ثورة أكتوبر 64 بكل الإعجاب وكانت الكتابات في معظمها تركز على ثورة الشعب الأعزل الذى تمكن من الإطاحة بنظام عسكري ديكتاتوري وكانت بعض الكتابات تحرص على تسجيل دور الجيش في تلك الثورة، فهو طوال أيام الثورة لم يطلق الرصاص على المتظاهرين ثم إنه كان هناك دور للضباط الأحرار لا ينبغي أن ينكر وفي النهاية فإن الجيش من خلال قائده الفريق عبود استجاب لرغبة الشعب بتصفية نظام نوفمبر والعودة إلى النظام الديمقراطي المرتكز على دستور 1956م المؤقت مع بعض التعديلات. وقد وصف البعض من خارج السودان تلك الثورة بأنها ثورة بلا قائد وتملك الغضب كثيراً من المواطنين، والحقيقة أنها كانت فعلاً ثورة بلا قائد لكنها كانت ثورة كل الشعب، رغم أن بعض الأحزاب حاولت أن تنسبها إلى زعمائها. وفي حرب أكتوبر 1973م حقق الجيشان المصرى والسوري أفضل أداء لهما منذ بداية الحروب العربية الإسرائيلية وكان أداء المصريين هو الأكثر امتيازاً فقد عبروا قناة السويس من الغرب إلى الشرق ولم يقلل من قيمة هذا الإنجاز عبور الإسرائيليين أيضاً لقناة السويس من الشرق إلى الغرب وقد شكك البعض في مصر وخارجها في تقدير حجم ما تحقق وما جرى فعلاً في تلك الحرب وفي حقيقة الضربة الجوية التى كان على رأسها اللواء الطيار محمد حسني مبارك ولم تكن الشكوك في محلها، ذلك أنها كانت حرباً حقيقية استرد بها المقاتل العربي بعض سمعته العسكرية وتأكد في نفس الوقت أنه من الممكن منازلة الجيش الإسرائيلي والانتصار عليه أو حتى التعادل معه. ولكن وبدلاً من أن يعقب حرب أكتوبر 73 المزيد من كسر الصلف والغرور الإسرائيليين ومن القوة العربية في السياسة والاقتصاد والعسكرية فإن ما جرى بعدها كان أمراً آخر فقد حدث الصلح المنفرد بين إسرائيل ومصر التى هي أكبر بلد وصاحبة أقوى جيش عربى ودخل الإسرائيليون بيروت عام 82 وطردت حركة المقاومة الفلسطينية من لبنان في نفس العام ثم غزا العراق الكويت ثم احتل الأمريكيون والبريطانيون العراق وإلخ.. ولكن لم يكن التردي الذى شمل الحياة العربية في كافة جوانبها نتيجة لتلك الحرب المجيدة لكنه حدث بعدها وتحديداً بعد خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد التى أبرمت في سبتمبر 78 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى وقعت في مارس 1979م. وكل أكتوبر والسودان والعالم العربي بخير.