كان النظام الذي أطحنا به في أكتوبر 1964م عسكريا يقوده المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكان مؤلفا من كبار ضباط الجيش وكانت كفاءتهم العسكرية عالية وقد حاول النظام منذ بدايته في نوفمبر 58 أن يخفف عسكريته ببعض المدنيين الكبار لكن المشاركة المدنية في ذلك النظام كانت قليلة للغاية وكان أبرز هؤلاء المدنيين الأستاذ أحمد خير المحامي الذي شغل منصب وزير الخارجية طوال الفترة التي أمضاها النظام في الحكم أي من نوفمبر 58 إلى أكتوبر 1964م. وكان الأستاذ أحمد خير المحامي أحد مشاهير المناضلين أيام الكفاح ضد الإستعمار وتنسب إليه فكرة مؤتمر الخريجين الذي تأسس عام 1938م وكان له القدح المعلى في تحقيق الاستقلال منتصف خمسينيات القرن الماضي. لقد كان الأستاذ أحمد خير أحد كبار سدنة نظام نوفمبر العسكري ويقولون إنه كان أحد أكفأ وزراء الخارجية في السودان ولما سقط النظام في أكتوبر 1964م تعرض هو بالذات لحملة شرسة من ثوار أكتوبر ولم يشفع له بذله الضخم أيام القضية الوطنية وأنه كان أحد آباء الاستقلال وقد عارض النظام المايوي في ما بعد منذ بدايته عام 1969 وظل يعارضه حتى سقوطه في أبريل 1985م وكأنه أراد بذلك أن يمحو الآثار السالبة من وجهة النظر الديمقراطية التي أحدثها انخراطه في قمة نظام نوفمبر العسكري الذي رأسه الفريق إبراهيم عبود. إن نظام الفريق عبود لم يكن ديمقراطيا ولم تكن تلك مشكلته فما أكثر النظم غير الديمقراطية التي التفت حولها الجماهير في ذلك الوقت من خمسينيات وستينيات القرن العشرين ولم تكن الجماهير وحدها وإنما كانت معها أرتال وأرتال من المثقفين وربما كان أشهر مثال لهذه النظم غير الديمقراطية التي حققت شعبية واسعة نظام 23 يوليو 1952م الذي كان يقوده الرئيس المصري جمال عبدالناصر. ولكن كانت مشكلة نظام نوفمبر العسكري أو أنه كان من مشكلاته أنه لم يكن نظاما اشتراكيا وكانت الاشتراكية في زمن الفريق عبود هي الأيديولوجية المفضلة وسط القوى الحديثة ولم تكن فقدت بعد بريقها ولا كانت الشعوب اكتشقت قصورها ونقاط ضعفها. وفي ما بعد سقطت الاشتركية في معاقلها وضمر مؤيدوها ضمورا بائنا وانتصرت الرأسمالية وقد كانت هي النظام الاقتصادي السائد في السودان في عهد الفريق عبود وكانت الخدمة المدنية في عهده لا تزال محتفظة بكثير من انضباطها وكفاءتها. لكن النظام لم يكن كله إيجابيات وإنما كانت له سلبيات وأخطاء وإخفاقات وإلا لما ثار الناس ضده ولما فرحوا ذلك الفرح العارم عند سقوطه في أكتوبر 1964م وعبر بالغناء الجميل بالفرح بتلك الثورة كبار المطربين من أمثال محمد وردي وعبدالكريم الكابلي ومحمد الأمين وغيرهم وما زال يطربنا ذلك الغناء.