أيام وتهل الذكرى السادسة والأربعون لثورة أكتوبر 1964م التي أطاحت بحكم الفريق إبراهيم عبود الذي استمر حوالي ستة أعوام، وغنّى لهذه الثورة مطربون كبار وحيّاها شعراء مجيدون وقد تمخّض عنها نظام ديمقراطي لكنه تعثّر ثم سقط صباح 25 مايو 1969م. وكان من أسباب سقوطه طائفيته واستفحال مشكلة الجنوب وافتقار الديمقراطية إلى كثير من العوامل التي لابد من توافرها ليُكتب لها النجاح والاستمرار والازدهار. لقد عاد الحزبان الكبيران والحقيقة أنها كانت ثلاثة أحزاب كبيرة هي الأمة، والوطني الاتحادي، والشعب الديمقراطي بعد ثورة أكتوبر 64 وكأن شيئاً لم يستجد على الساحة، وكأن الزمن مازال متوقفاً في عام 58، وهو العام الذي كان فيه حزبان من هذه الأحزاب الثلاثة لا يزالان يتوليان الحكم ثم سلّم الأمين العام لأحدهما الحكم للجيش في 17 نوفمبر من ذلك العام. وما كان لتلك الثورة أن تنتصر لولا انحياز الجيش لها وقاد عملية الانحياز هذه الضباط الأحرار الذين سرعان ما يئسوا من الديمقراطية وشعروا في نفس الوقت أن مشكلة الجنوب تحتاج إلى حل عاجل وأنهم وحدهم يدفعون ثمن استمرارها وتفاقمها ولم يكن أمامهم سوى أن يستولوا على السلطة عن طريق الانقلاب العسكري ونفذّوه فعلاً فجر 25 مايو 69. وكما هو الحال في العالم العربي وإفريقيا فقد سمّوا انقلابهم العسكري ثورة وقد غنّى لها كبار المطربين، وكان غناءً جميلاً وكان أكثر من غنائهم لثورة أكتوبر. وغنى أيضاً للثورة مطرب وموسيقار عربي كبير جداً هو فريد الأطرش. وعندما تولى الضباط الأحرار الحكم في مايو 69 فإنهم كانوا يقولون إن ثورتهم إمتداد لثورة 64، ولم يكن ذلك صحيحاً، فثورة أكتوبر 64 أعادت الديمقراطية وثورتهم أجهضتها وأقامت نظاماً شمولياً تحوّل مع الأيام إلى نظام فردي. ومازلنا نتحدث معجبين عن تلك الثورة التي صنعناها وعشناها في أكتوبر 64 ثم بمرور الزمن صرنا نتحدث بكثير من الإنصاف عن النظام الذي أسقطناه بتلك الثورة، ورسخ في أذهاننا أن كل أخطاء نظام الفريق عبود مما يمكن أن يُغتفر ويُبرر إلا خطأ التنازل عن حلفا واختفائها من الخريطة غرقاً. بل إن البعض يرون أن ضياع حلفا خطأ يمحو كل حسنات ذلك النظام. والحقيقة أننا مازلنا عاجزين عن فهم الأسباب والبواعث التي جعلت حكومة الفريق عبود ترتكب ذلك الخطأ فقد كان من الممكن أن يشيّد المصريون سداً يحقق لهم الأمن المائي دون أن يكون الثمن هو غرق مدينة تعني الكثير لأشقائهم في جنوبالوادي. لكن اللوم الأكبر يوجّه للفريق عبود وزملائه في المجلس العسكري الحاكم وفي مجلس الوزراء الذي كان من كباره الوطني الضخم صاحب فكرة مؤتمر الخريجين الأستاذ أحمد خير المحامي!! وكل أكتوبر والبلد بخير،،