{ كثيراً ما ارتبط المرض النفسي - بأشكاله المختلفة - بعالم (الشواطين)، وهذا الأمر مستمر منذ آلاف السنين وإلى الآن, حيث كان الإنسان الأول عندما يشعر بأن أحد الأشخاص اعترته بعض الاضطرابات السلوكية أو النفسية فإنه يقوم على الفور بإخطار ساحر القبيلة الذي يقوم بعدها بإعطاء المريض (علقة ساخنة) لتخليصه من ذلك الشيطان الذي (ركبه)، وبعدها يقوم بمنع الطعام والشراب عن المريض حتى يهلك شيطانه جوعاً وعطشاً، ثم يقوم شباب القبيلة بصناعة مسمار طويل وحاد وإدخاله في رأس المريض لعمل فتحة تسهل (مخارجة ) الشيطان..! وهذا ما يعرف حالياً بالخازوق، وما أكثر الخوازيق هذه الأيام..! المهم أن هذه الطرق إدت لوفاة معظم المرضى، وللأسف فإنها لا تزال تمارس بأشكال مختلفة في بعض المناطق.. { والطفل عندنا يبدأ سماع كلمات مثل (يا ولد أو يا بت بطلوا الشيطنة)، أو (الشافع ده شيطان خلاص)، وقد يرتدي الأطفال في الأعياد ملابس (الشواطين) بسبب القنوات الفضائية، وبعد أن (انبطحنا) في صراع الديجيتال وغابت تقافتنا عن أذهان أطفالنا, وهذا كله يجعل الطفل مهيئاً للمرحلة الأخرى عندما يكبر وهي مرحلة (فلان شوطن) التي يتم إطلاقها على المرضى وتشكل وصمة وحاجزاً وهاجساً كبيراً للأسر، وقد تمنعها من عيادة الطبيب النفسي خوفاً من هذا الوصف الشيطاني لها. { هناك العديد من الأزواج والزوجات لقوا حتفهم بسبب اعتقادات مرضية (بالتشيطن) وبالتالي القتل، وهي ظاهرة جديرة بالدراسة ويمكن التوسع فيها مستقبلاً.. ونجد أيضاً أن مرضاً مثل الوسواس القهري يتم خلطه بعمل (الوسواس الخناس) مما يوثر سلباً على التشخيص والعلاج. { الطريف في الأمر اننا لسنا وحدنا من نعاني من هذه الظواهر في الطب النفسي.. بل يتعدانا الأمر ليشمل الشعر والفن، كما في حكاية الشاعر الجاهلي امرئ القيس الذي ربطه الناس بوادي عبقر ووجود (شيطان ) خاص بالشعر عنده وأطلقوا عليه اسماء (يعني عندو رقم وطني) منها (بن كنجول) و(قرشعر) وغيرها: (لها مقلة لو أنها نظرت بها إلى راهب قد صام لله وابتهل لأضحى معنَّى صريعاً بحبهاً كأن لم يصم لله يوماً ولم يصل) ده هسَّه كلام ناس براهُم؟! { وفي السياسة برز عندنا (شيطان التفاصيل) الذي كاد يعصف بمفاوضات مشاكوس ونيفاشا وعصف بعد ذلك بالعديد من الاتفاقيات والترتيبات، والظاهر أنه سيعصف (بحاجات تانية كتيرة). { وأختم هذه (الشيطنة) بطرفة تروى بأن الفرقاء السياسيين في السودان تمكنوا من الحصول على مصباح علاء الدين، وفور خروج المارد لهم ومعرفته أنهم من البلد دي صرخ قائلاً: (أنا يا جماعة أيّه حاجة بعملها ليكم إلا موضوع (أبيى) وحكومة القاعدة العريضة دي)..! { وجمعة مباركة