{ يصيبني الغثيان كلما طالعت تصريحاً منسوباً للسيد الصادق المهدي أو لمريم عندما تتحدث عن أبيها فأدخل في موجة تفكير عميق لعلى أجد تفسيراً لهذه الطريقة التي يفكر بها السيد الصادق المهدي وهي ذات الطريقة عند مريم وهم يخاطبون الناس من علٍ وآخر هذه التوهمات النصيحة التي يقول السيد الصادق إنه أسداها للعقيد معمر القذافي وكأن السيد الصادق المهدي يملك من المعرفة والتجربة ما لا يملكها شخص آخر غيره، فهو الناصح الأمين والعالم ببواطن الأمور وهو كما تقول مريم عن أبيها إنه أمل الأمة وحكيمها. { كلنا يعلم العلاقة الراسخة بين حزب الأمة والعقيد القذافي بالرغم من تباين المنطلقات التي يكرس لها كل طرف ويدعيها، فالعقيد القذافي وطيلة مسيرته في الحكم يمارس القمع والقهر والإبادة الجماعية كما حدث في سجن (أبو سليم) وظل يدعم الحركة الشعبية منذ نشأتها الأولى ولم يرفع يده عنها حتى في سنوات حكم الصادق المهدي وظل داعماً لحركات دارفور وممولاً لها ويمارس الجنون كله في حضرة أصدقائه وحلفائه دون أن يجرؤ أحد ليقول كلمة واحدة يعترض بها على ما يتصرفه القذافي، وطيلة اثنين وأربعين سنة لم يقدم السيد الصادق المهدي صاحب المنطلقات الداعية للحرية والديمقراطية والتعددية نصحه للقذافي إلا بعد أن قتل ومات ولم يعد يسمعه أو أن تكون لنصيحته قيمة ولذلك نقبل نصحه إلى المجلس الوطنى الانتقالي الليبي لعل ذلك يفتح بينه وبينهم لا سيما وأن حزب الأمة محسوب على نظام القذافي وربما كانت هناك روابط أسرية عبرت عنها العلاقة بين مريم الصادق المهدي وعائشة القذافي كما كشفت وسائل الإعلام من قبل عن مخاطبات بينهما في ظل هذه الأزمة التي أطاحت بحكم القذافي وحررت ليبيا والعلاقات السودانية الليبية منه. { تفرغ السيد الصادق المهدي منذ فترة طويلة لتقديم الوصفات وإطلاق الأحكام وله في ذلك طريقة عرض يعدد فيها ما يراه من تقديرات لا تقبل الخطأ وثم يختم بعبارته الشهيرة (هكذا دواليك) ويكثر دائماً من النصح ويصدر تصريحاته وبياناته الصحفية دائماً ب (نصحناهم) وأن من ينصحهم السيد الصادق هم دائماً لا يستبينون النصح إلا ضحى كما حدث في آخر نصائحه التي أسداها لزعيم ليبيا وقد نجح المكتب الصحفي لحزب الأمة في نشر النصيحة أمس وملأ بها صحف الخرطوم وليته نشرها في التوقيت الذي قدمت فيه للقذافي كاملة بدلاً من الإفصاح عنها بعد مقتله وكأنها مغازلة للمجلس الانتقالى الليبي وبداية لاتصالات معهم لإصلاح ذات البين وأكاد أجزم أن السيد الصادق المهدي يمهد لزيارة ليبيا في القريب العاجل ليلحق بعلاقات الحزب التاريخية التي تنحصر مع ليبيا في عهد القذافي وإيران التي من شمائلها الانفتاح على الحكومات والأحزاب والمنظمات المدنية في ظل الحصار الغربي الذي تتعرض له منذ وصول الثورة الإسلامية فيها إلى الحكم في فبراير 1978م. { مسيرة السيد الصادق المهدي السياسية وهي الآن تخترق الثمانينات وهي مسيرة تبدأ بمولده لأنه بصراحة (ود المهدي) والسياسة ينتعلها منذ نعومة أظافره ولكنه يختلف عن غيره من السادة، له كسبه وثقافته وفكره وجهده الذاتي ومساهماته في كافة الجوانب وأنا شخصياً أعجب بسعة علمه وصدره وروح العصر التي يتمثلها وتواصله مع كافة قطاعات المجتمع ولكن بصراحة لا نقبل الإطراء بالطريقة التي سمعتها من مريم وهي تتحدث عن أبيها وكذلك لا نقبل طريقة الوصفات والأحكام التي يطلقها السيد الصادق على طريقة (نصحناهم) وقد كرر ذلك كثيراً وهو يحدثنا عن حواره مع المؤتمر الوطني ومن خلال تصريحاته عن الوضع السياسي وسئمنا تنبؤاته الكثيرة التي لم تصب في يوم من الأيام منذ نبوءته الشهيرة عندما طفق يعلق على جهود حكومة الإنقاذ في تسعينات القرن الماضى لاستخراج البترول وقد أجمل تعليقه بعبارة (أحلام زلوط) وجرت الأيام لتكشف صدق جهودهم وكذب نبوءته. { ليس في نبوءات السيد الصادق ووصفاته وأحكامه بما فيها (وصفات التخويف) التي ظل يمارسها منذ مطلع التسعينات ويحذر من مآلات كارثية إن لم يتم الإصلاح وفق ما يرى والغريب أنه ما زال يطرح علينا ذات الوصفات حتى الآن ويحذر من تمرد يضرب السودان من دارفور إلى شرقه إن اختارت الحكومة خيار الحرب وها هو خيار الحرب يحفظ بلادنا من مؤامرات ومآلات خطيرة ويجعل كل شيء يتحرك في الضوء، أما إذا عملت الحكومة بنصيحة السيد الصادق فإنها (حتطير فوق وتجي واقعة على رقبتها). { في الحلقة القادمة سننصح (النصّاح الأكبر) في مسألة ارتباط الحزب بالبيت منذ نشأته.