فيما ترقد الخراف على نواصي ظلها باطمئنان مستتب تحلم بعيد سعيد، نتجارى نحن بين كل مؤتمر صحفي وبيان ونقاش يدور حول هبوطها على مدرج (الشيّة) بسلام، ونحن - محتضنين روائحها وكرشاتها - نتجشأ حماقاتنا كشعب لا همّ له سوى بطنه! وباطن أخبار التخفيضات يدسّ السمّ في شحوم وجلود الخراف، فقبل شهر مضى كانت (ترفع سعرها) بالقطاعي حيث بلغ الكيلو منها ما يقارب الأربعين جنيهاً، ومضى الناس إلى إحداثيات المقاطعة الشهيرة. ثمّ لم تلبث أن عادت إلى موقعها القديم كأفضل لحوم في ترتيب الثروة الحيوانية والأضحية الدينية والمناسبات الاجتماعية والمجاملات الأسرية - جابوا ليهم خروف السماية أو الحج أو فطور العريس!- وعدنا إلى مربعنا الأول من حيث الجري خلف الخراف لترتيب مسارها المرتفع في تلال وهضاب الثروات المالية للمصدرين وتجار اللحوم والرعاة. ولرعاية المصالح العليا يستتر ظاهر أخبار التخفيضات بأنباء السعادة للسادة المستمعين بأن الحكومة راعت فروق الوقت بين سعر الخروف ودخل الفرد، بطرحها لمئة ألف رأس من مجموع خمسين ألفا، لأضحية هذا العام، وما عليهم كمواطنين إلا مراعاة فروق التوقيت السنوي للموازنة المالية لهذا العام! فمن يشتري الخروف الأضحية فرحاناً بالتخفيض ستفجؤه ارتفاعات ملحقات إنضاج الخروف لنفسه وعائلته وهلمّ جرا، ويكون سؤال جلد ورأس الخروف، (وينو الزيت وينو البصل وينو الفحم؟). فهم التعقيدات الاقتصادية والأزمة التي يمر بها البلد حالياً، يحتاج إلى أدمغة طازجة لم يغلفها الكربون الأسود الناتج من حفظ الأناشيد والقصائد و(وعن الشاعر) المعادلات الفيزيائية والأحاديث الموضوعة وقطع المطالعة، ناهيك عن ذكريات الطفولة وتمردات المراهقة وقصص الحب المقطوعة منتصف العلاقة بسبب التقاليد! ولأن أدمغتنا كذلك؛ فإننا لن نتمكن من التواطؤ مع الحكومة الولائية أو الاتحادية لنتم كل أزمة على خير، فتغلبنا الحكومة بالمال في الخيم والخراف المخفضة، ونغلبها نحن بالصبر وهزيمة العيال في عدم تلبية متطلبات الحياة اليومية! يومياً يصادفك كمواطن سوداني عادي، تحدٍ جديد منذ الاستيقاظ بمزاج مناسب لإنسانيتك وحتى النوم بحمد الله على تمام العافية واليوم! أما ما بين ذلك فهو يمثل اكتشافك لمرونة عضلات صبرك على واقع غرائبي يجدي أن يكون فيلماً من نوعية الخيال العلمي! إذ عملياً انتهت الأزمة الاقتصادية في العالم ورفعت البلدان والعواصم رأسها بعد مرور عاصفة الكساد والتضخم، ومنطقياً انتهت الحروب في السودان هنا وهناك، وسلمياً انفصل الجنوب، وسياسياً يظل دفتر الميادين الثورية في السودان نظيفاً، فلن يحضر أحد! (طيب المشكلة وين؟). وأينما وليت وجهك ثمّة زريبة في وسط حي سكني في المدينة ترقد خرافها منذ أن تذوقنا طعم (عيد الضبح) لا نعرف متى تخلو، ولا كيف تأتي من مراعيها التي ربتها على التعالي وخيارات مقاسات الفراء، وتبذير مدخراتنا على سلوك مجتمعي لم تعد له علاقة بالدين أو الفداء أو حتى الذكاء الاقتصادي! لذا فإن مسوغات ارتفاع أسعارها نسبة للترحيل والعلف والضرائب...الخ تجعل رؤوسنا هي الباسمة ولسان حالها يقول (العيد ده ما حقي، حقي المسلخة، والعيشة أم سكلي! خروف حالف باليمين يهد حصون عقلي. مصيبة البيضبح!).