عبارة أضحت لا تكاد تنكرها الأذن، فمنذ تلك التوأمة التي جمعتني والشاعر المتألق (بشرى إبراهيم) الذي اشتهر ب(ود البطانة)، أصبح الشارع يستنكر وجود أحدنا دون الآخر وكأنما وجدنا على وجه الأرض هكذا. كان الأمر مدهشاً في بدايته ولكن سرعان ما استوعبناه معاً، لأنه ارتبط بالمنتديات داخل السودان وخارجه وداخل الخرطوم وخارجها. كلما غادر البشرى إلى حفل ما لم أشارك فيه همَّ لإجابة الجمهور قبل أن يعد العدة لمظهره واختياره، فيهاتفني ضاحكاً: (نضال آلشوم، تنضرّي ضرّاراً، أها هسع آخيتي أقولهن شنو؟)، رغم أنه لا يجتهد كثيراً في الإجابة عليهم بلهجته البدوية الساخرة، فأحياناً يقول لهم: (بترسلكن سلاما وبتجيكن ابشرو تب)، وأحياناً: (قاعده تغسل لها في هدّام) وهكذا، ولكن ما أضحكني جداً رده على أهل قرية (ود الفضل) برفاعة، فبمجرد دخوله القرية أسرع الأطفال نحوه وقبل السلام سألوه السؤال المعروف والذي أعد لإجابته مسبقاً قائلاً: (بتجيكن تب أبشرو)، ثم سألته النسوة من خلف (الشبابيك)، فأجاب بابتسامة، ثم سأل الرجال وسيطر عليه الصمت، فصعد إلى خشبة المسرح وأثناء تحيته للحضور (نط واحد وقالو): (ها نضال خليته وين)؟ فأجابه والمايكرفون على فمه: (ها جنى ها نضال قالولكن أنا شايله في جيبي ولا مصافحه، يصافحه الروم ال)، فضحك الحضور وصفق الجميع لروح الدعابة التي بثها بينهم. وأنا أتجه من كوستي إلى الخرطوم بعد أن تجاوزت أسئلة الحضور، أضحكني جداً موقف باعة (الفسيخ) الذين سرعان ما اتجهوا نحو العربة التي وقفت بحثاً عن الرزق ولمجرد رؤيتي أخذوا يتناقلون الخبر ويتناوبون على السلام والسؤال، كان كل واحد منهم كأنما يبحث عن شيء يجنبه حرج السؤال، وحينما لا يجده يضطر على السؤال عنه (ها خليتي البشرى وين؟)، ولم يتركوا لي خياراً غير أن أكلمه تلفونياً لأبلغه تحاياهم وهو يضحك بشدة. بسيط هو هذا الشعب، مسالم ومثالي، رائع بعفويته التي تخترق سور الشهرة وادعاء (البرستيج)، هذه الكلمة التي كلما حاولت ممارستها أعود لارتدي ثوب عفويتي الذي يشبه تفاصيل هذا الشعب الحبيب.