• سلك الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني طريقاً وسطاً منذ عودته إلى الداخل، فبعد مشاركة حكومية تحت لافتة التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يقوده، تحول إلى موقف التأرجح بين نقيضي الحكم والمعارضة في أعقاب التوقيع على اتفاق (القاهرة)، فحجز مقعده كحزب له فرادته وطريقته الخاصة في التعامل مع الأحداث ووقائع ما يفرزه الحراك السياسي، نائياً بنفسه عن الاندماج في تكتلات وتحالفات معارضية أشهرت عن وجودها في وجه الإنقاذ ونسختها اللاحقة (المؤتمر الوطني)، مبدياً زهده في أيما طبعة مزيدة ومنقحة من تجربة (التجمع)، على شاكلة أحلاف (جوبا) أو (قوى الإجماع الوطني). • وضعية المعتد بذاته كفلت للحزب - بحسب المراقبين - التفكير بمعزل عن أي تعقيدات وضغوط خارجية ما يسّر للاتحادي لاحقاً اتخاذ أكبر القرارات الوطنية بسلاسة بعد أن انصب تركيز القيادة على المفاصلة بين خياري (مثالب المشاركة ومناقب السلطة).. عطفاً على ذلك كان الماراثون الديمقراطي الكبير الذي يصلح للتدريس ضمن مناهج العلوم السياسية، فبعد مفاوضات استمرت زهاء (4) أشهر مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، شهدت كثيراً من حالات الشد والجذب، وتوقفت لأكثر من مرة قبل العودة إلى طاولة التفاوض مرة أخرى، آل الحوار إلى نهاياته المعروفة لكل المتابعين. • المفاوضات مع حزب المؤتمر الوطني التي جرت وسط تكهنات حذرة جرت وسط انقسام بين قيادات وجماهير الحزب ما بين مؤيد ومعارض، ما أدى إلى فشل الاجتماع الأول لهيئة قيادة الحزب بجنينة السيد علي بالخرطوم جراء الحشود الطلابية وهتافات موالين من الرافضين لقرار المشاركة.. تبع ذلك خروج بعض أعضاء هيئة القيادة وتلويحهم بالاستقالة ما أدى إلى تحويل الاجتماع إلى قاعة أبو جلابية، حيث حضره السيد محمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب. • مولانا في الاجتماع اللاحق المشار إليه انتقد المهددين بالاستقالات وطالب الأقلية باحترام الأغلبية، معلناً قبوله أية استقالة تقدم. • اتجاهات الرأي داخل الحزب الاتحادي الأصل اتسمت بالتباين، وإذا كانت المواقف في ضفة المشاركة هي الأوفر حظاً برضا مولانا ومباركته فإن استقراء مواقف وآراء الطرفين استأثرت بجل اهتمامنا من خلال هذه القراءة بعد أن استبان موقف الحزب وتبين للشارع الاتحادي الخيط الأبيض من الخيط الأسود إزاء السلطة التنفيذية. • في هذه المواجهة استنطقنا مولانا حسن أبو سبيب، الذي كان موقفه الرافض للمشاركة مفاجأة للساحة السياسية بحكم قربه من مولانا، بجانب أنه رئيس لجنة لم الشمل، وفي المقابل كانت إفادات عضو هيئة القيادة وأحد المؤيدين لخط المشاركة الأستاذ تاج السر محمد صالح؛ معاً نتابع حجة الشقيقين ورؤاهما: مولانا حسن أبو سبيب: سأقدم استقالتي من المناصب.. وليس من الحزب { على ماذا بنى مولانا حسن أبو سبيب رفضه للمشاركة؟ نعم رفضت المشاركة وخرجت من الاجتماع لأنني أرى أن حكومة الإنقاذ مكثت أكثر من (22) سنة وفشلت في أن تحقق للشعب السوداني أي هدف في معاشه أو وضعه السياسي، بل فقد البلد جزءاً عزيزاً منه والآن يترنح من ثقل المعاناة والأوضاع المزرية اقتصادياً وسياسياً التي ينوء بها السودان وفوق هذا الحرب الدائرة. ونحن نرى أن النظام في نهاياته وأية مشاركة لا تفيد الوطن والمواطن، بل تكون كارثة لحزب الحركة الوطنية. ونرى أن هذه المشاركة معول تفتيت وهد لهذا الحزب العملاق. { لكن غالبية قيادات الحزب ترى أنها عبر المشاركة يمكن توفير فرصةلإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أنا على قناعة لن أتزحزح عنها أن المشاركة لا تفيد البلد ولا النظام الذي استمر (22) سنة في الفشل والعجز عن تحقيق أي تقدم للشعب السوداني. وفي هذه الأجواء لا يمكن للحزب أن ينقذ أي شيء بالمشاركة أو غيرها ولا يستطيع تغيير أي شيء لأن المؤتمر الوطني قابض على كل شيء مقابل المناصب التي منحت للحزب في مواقع هامشية ليس لها أي تأثير ولا تتعلق بحياة ومعاناة المواطن الذي يضحى الحزب من أجله بالمشاركة، ماذا يقدم الحزب للمواطن عبر وزارات الشباب والثروة الحيوانية والإعلام؛ كلها هامشية. { لكن وصفت المجموعة المؤيدة لخطكم الرافض بالأقلية؟ لا ليس كذلك، المعارضون للمشاركة من جماهير الحزب وقياداته يمثلون أغلبية لأن ما قدم للحزب أقل من مستوى حزب الحركة الوطنية، ونحن نعلم تماماً أن القاعدة لا تريد المشاركة في هذه المأساة. { هل حقيقة قرار المشاركة تم بإملاء وضغوط من الخارج؟ الحزب الاتحادي ليس حزباً حاكماً حتى تمارس عليه الدول ضغوطاً، كما يقال أهل مكة أدرى بشعابها، وهو حزب لم يعرف عنه أنه خضع لضغوط أياً كان نوعها، فهو حزب جماهيري وقواعده عريضة وهي التي تقرر مساره ولا شيء يجعله يخضع لضغوط، بجانب ليس له روافد من روافد الخارج وهو حزب وطني سوداني أصيل. { هل حقيقة ستتقدمون باستقالاتكم؟ نعم نحن حضرنا استقالاتنا وسنتقدم بها لمولانا وهي جاهزة، ومسألة وقت فقط. { هل هناك تنسيق بينكم كقيادات رافضة؟ نحن منذ انسحابنا من الاجتماع لم نلتق مع بعض ونسعى إلى الاجتماع لاحقاً لكننا نحن كلنا في خط ورأي واحد لأن الشخص بمفرده لن يفعل شيئاً كما يقول الشاعر: وعلمت أني إن أقاتل واحداً أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي { هل ستكون استقالتك من الحزب؟ استقالتي ليست من الحزب وإنما من المناصب التي أتولاها في الحزب وهي رئاسة لجنة لم الشمل وعضوية هيئة القيادة والإشراف على منطقة أم درمان الكبرى، وأنا ضد الاتجاه للفصائل الأخرى، وأنا أسعى لجمع الفصائل ولن أسعى للانضمام لفصيل ولن أخرج من الحزب الذي ظللت فيه منذ شبابي عندما كنت طالباً، ولن أضع يدي التي وضعتها في يد السيد علي والزعيم الأزهري في يد رجل آخر ولن أترك الحزب. { إذن ماذا ستكون في المرحلة القادمة؟ أنا باقٍ داخل الحزب الاتحادي وأقوم الآن بتقليب الرأي ودراسة ما سأفعله في الأيام القادمة ولدي كثير من الخيارات. { ما هذه الخيارات؟ ليس وقت الكشف عنها. { ما مصير لجنة لم الشمل في ظل الوضع الراهن الذي ينذر بانشقاق جديد في الحزب؟ نحن لا نريد الانشقاق لكن الموقف الحالي هو الذي دفعنا لمواقفنا هذه وما حدث هو فركشة للم الشمل وليس دعماً وأعادنا إلى مربع لم نكن نتوقع الرجوع إليه، حزب الحركة ينأى بنفسه عن هذه المدارك. { طيب مولانا قال إنه سيقبل أي استقالة تقدم؟ لو قالها أو لم يقلها نحن حددنا موقفنا خلاص من المشاركة. الأستاذ تاج السر محمد صالح : ما حدث دحض مقولة أن الحزب يسير بالإشارة { ما موقف الأستاذ تاج السر محمد صالح من المشاركة؟ ليس في الحزب لشخص موقف خاص به فالقرار قرار حزب. { لكن هناك اعتراض على المشاركة من قبل القيادات؟ من الطبيعي أن يختلف الناس حول الخيارات لكن نستطيع القول إن ما رشح من وقائع الاجتماع أن الحزب الاتحادي الديمقراطي قدم أنموذجاً في الممارسة الديمقراطية بطرح الأمر على طاولة مؤسسات الحزب وإتاحة الفرصة لإبداء وجهات النظر ملياً للوصول إلى مقاربة توصله إلى الخيار الراجح، وكان المحرك الأساسي في هذا الأمر أن مصلحة الوطن تقتضي الإسهام في الشأن بتغيير وتحسين ودرء أخطار مرئية وغير مرئية واستجابه لرغبات مقدرة. ويضيف: الممارسة التي تمت أيضاً دللت على أن الأمور في الحزب الاتحادي لا يقضي فيها بالإشارة بدليل أن رئيس الحزب رغم أن الدستور يخوله كل الصلاحيات إلا أنه رد الأمر للشورى العامة، وكان القرار الذي حصل على موافقة عامة من حيث المبدأ لتحقيق المكاسب والمصالح الوطنية. { لكن القيادات الرافضة للمشاركة هددت بتقديم استقالاتها؟ أرى أن الإخوة الذين هددوا بالاستقالة سابقين لعملية تغليب الأمر معهم ولا أشك أنهم سيغلبون مصلحة الحزب وتماسكه على ما ذهبوا إليه. لكن أبو سبيب أكد أنه صاغ استقالته وسيتقدم بها فقط مسألة وقت؟ ما ضاقت بلاد بأهلها لكن أخلاق الرجال تضيق، أقول إن للشيخ حسن أبو سبيب بلاداً وأصلاً وديناً يعصمه من مفارقة الجماعة. { ما رأيك في تبرير المعارضين للمشاركة بأنها جاءت متأخرة ولن تؤثر؟ مع تقديري للأسباب التي ذكروها من ناحية الوقت والتمثيل فهي كلها قتلها الاجتماع بحثاً وأبديت فيها وجهات النظر وتم تصحيحها، أما مسألة الوقت غير مناسب هل المخاطر الكثيرة إن لم نتصد لها وهي محدقة ببلادنا فمتى نتصدى لها.. الأمر ليس نزهة وإنما مسؤولية يحرم التقاعس عن التصدي لها والذين يقولون إن النظام آيل للسقوط نحن نسألهم هل هم جزء من البديل وهل يعرفون البديل وهل يضمنون البديل؟ التقدير العام أن الأمر طرح للمناقشة وصدر فيه قرار والجميع بذلوا جهدهم وهذا هو قانون الديمقراطية. { طيب ماذا عن المناصب التي قيل إنها هامشية؟ نحن نسعى إلى تحقيق مكاسب وطنية وبالسعي إلى مزيد من السلطات للاضطلاع بالعبء على الوجه الأكمل. { كيف ترى الحشد الذي هتف أمام مقر الاجتماع رافضاً للمشاركة؟ كم عدد الذين جاءوا وهتفوا وكم عدد جماهير الحزب الاتحادي المنتشرة في السودان وأقول الذين جاءوا عبروا عن رأيهم وهذا من حقهم والذين قرروا يعلمون هذا لكنهم تجاوزوه بعد تغليب الخيار. ويضيف: ما قيمة المؤسسات إذا كانت الهتافات تلغي قراراتها. { برأيك يمكن أن تقرب خطوة المشاركة بين الحزب الأصل والحزب المسجل؟ الاتحاديون كلهم سوياً لكن فرقت بينهم الاجتهادات ولعل الله بهذا القرار يحقق الجمع بينهم على كلمة سواء. { كيف يتم التوفيق والتنفيذ على ما اتفق عليه؟ ستكون هناك ورقة عمل مشتركة يتم التوقيع عليها من الحزبين، وهذا ما رجح خيار المشاركة وتقديرنا أن أزمة السودان تحتاج إلى وفاق شامل دعا إليه رئيس الحزب، وستكون المشاركة إحدى وسائل تنزيل هذه الدعوة على أرض الواقع. { أخيراً يمكن القول إنك من أنصار المشاركة؟ هذا لم يعد رأيي وإنما رأي الإجماع الحزبي.