أستاذ بجامعة الخرطوم كلية الآداب قسم علم النفس، تخصص في علم النفس الاجتماعي والسياسي، وحصل على الدكتوراه في هذا المجال.. هذا بجانب اهتمامه بقضايا الحرب والسلام، الأمر الذي دفع إدارة الجامعة لاختياره مديراً لمعهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم.. إنه الدكتور محمد محجوب هارون. (الأهرام اليوم) في إطار سعيها الدؤوب في التنقيب والبحث عن تفاصيل قضايا الدولة السودانية جلست معه في مكتبه المتواضع بالجامعة وطرحت عليه عدة أسئلة تمحورت حول قضايا الحرب والسلام، وتطرقنا إلى واقع الحكم في السودان وموقف المحاسبة والشفافية ومدى الثقة بالمؤسسات، وهجرة العقول وواقع التنمية الاقتصادية والاستقطاب بين السكان في الوظائف والتعليم ومستوى دخل الفرد.. وعرجنا معه إلى الانشقاقات في الأحزاب السياسية، ورؤيته لطرق إدارة الساسة السودانيين.. والسبب الذي أدى إلى انفصال الجنوب.. جدل الطريق الأمثل لحكم السودان كان حاضراً، بجانب الدستور الجديد والصراع الإثني وتأثيره على السياسة السودانية، وتطرقنا إلى ربيع الثورات العربية وإمكانية وصوله إلى السودان.. وغيرها من الموضوعات التي تشغل الساحة حالياًِ. استمع الرجل لجميع أسئلة (الأهرام اليوم) ورد عليها رد العارفين المدركين لقضايا الحرب والسلام وطرح رؤى مستقبلية للسودان وكانت حصيلة ردوده هذا الحوار: { اتسمت العهود المختلفة المتعاقبة على حكم السودان منذ الاستقلال وحتى الآن بضياع الفرص التاريخية في إدارة الدولة.. ما هو السبب وراء ذلك؟ - بداية أتفق معك في أن الدولة الوطنية السودانية تمثل بدرجة كبيرة حالة هدر الفرص بشكل مستمر، ويلاحظ أن الدولة الوطنية بعد الاستقلال من الحكم الإنجليزي في مدى تجاوز نصف قرن بقليل انقضى معظم عمرها في نزاعات أهلية مستمرة ولم نر هدنة إلا في الحقبة التي امتدت ما بين عامي (1972-1983م) وهذه كانت فترة قصيرة من إجمالي عمر الحكم الوطني، ولهذا السبب لم تستطع الدولة السودانية بأي حال من الأحوال أن تلتقط أنفاسها، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب داخلية أساسية، وأحد أهم هذه الأسباب هو فشل المشروع الوطني السوداني في توفير نوع القيادة الوطنية المطلوبة لقيادة مثل هذا المشروع، وهذا الأمر قادنا بشكل مستمر لفقدان الاتجاه، ومع فقدان الاتجاه فشلنا في امتلاك الرؤية الوطنية التي تحدد الأولويات الوطنية الكبرى والعمل لصالح خدمة الأولويات المنطقية، وفقدان الاتجاه وعدم امتلاك الرؤية التي تحدد الأولويات الوطنية الكبرى قاد بدوره إلى الحالة التي نحن فيها الآن، وبأية حال من الأحوال يعتبر هذا الأمر من التراجعات الكبيرة التي حدثت بسبب النزاعات الأهلية المسلحة واضطراب الأحوال السياسية والاقتصادية والأمنية ورغم ذلك نحن لا زلنا نعيش. { بصفتك مختصاً في قضايا (الحرب والسلام) ما هي المسببات الجذرية للنزاع في السودان؟ - كما قلت لك إن أحد الأسباب الرئيسية هو عدم توفر قيادة وطنية تستطيع أن تحدد المطلوبات التي تجعل من السودان وطنا يكون الجميع فخورين بالانتماء إليه، وعدم توفر القيادة هو السبب الأساسي في النزاعات، والسبب الثاني الفشل في بناء قاعدة لتفاهم وطني أو (الإجماع الوطني) والسبب الثالث هو فشل النخبة الوطنية في هندسة مشروع نهضة وطنية بجوانبها المختلفة للتداول السلمي للسلطة على المستوى السياسي والنظر لبناء مشروع اقتصادي اجتماعي يحقق التنمية وعدالة النمو على مستوى البلد جميعه، وتحقيق البعد الاجتماعي للعملية الاقتصادية وكفاية حاجات المواطنين الأساسية في التعليم والصحة والمسكن والعيش الكريم، وأن تتم كفاية هذه الحاجات على نحو متساو عملا بمبدأ الفرص المتساوية لمواطني البلاد دون النظر إلى الانتماء الجغرافي أو العرقي أو الثقافي أو الديني وإلى آخره.. وهناك جملة أسباب أخرى لكن من أهم هذه الأسباب هو فقدان القيادة والعجز عن هندسة مشروع وطني ينطلق من الإجماع على التداول السلمي للسلطة على المستوى السياسي، والفشل في تحقيق النمو والتنمية المطلوبة الآن كذراع اقتصادية للمشروع النهضوي الوطني، ومجمل ذلك من شأنه أن يوفر حاجة الوطن والمواطن للأمن. { يرى البعض أن التنوع والتعدد هو أحد أهم المسببات الجذرية للنزاعات في السودان برأيك هل فشلت السلطة المركزية في إدارة ذلك التنوع والتعدد؟ - التنوع والتعدد ظاهرتان محايدتان وليس ضروريا أن تقودا إلى نزاع، والذي يقود إلى النزاع هو الفشل في استيعاب التنوع والتعدد أيا كانت الخلفية التي يأتي بها هذا التنوع والتعدد، والفشل في استيعاب التعدد والتنوع يقود إلى شعور بالظلم وهذا بدوره يقود إلى التأزم الذي يمكن أن ينفجر ويتحول إلى نزاع يعبر عن نفسه بشكل صاخب ويصل حد الاحتجاج المسلح، ونحن لدينا وطن يقوم على قاعدة من التعدد والتنوع على المستوى الجهوي والإثني والعرقي والثقافي والديني وحتى على المستوى اللغوي، وعجزنا عن استيعاب هذا التنوع ساعد ضمن أسباب أخرى بالضرورة في نشوب وتجدد نزاعاتنا الوطنية المستمرة. { حسناً.. هل التنوع والتعدد صار مصدرا للنزاعات في مناطق البلاد المختلفة؟ - الانتماء الجهوي وجه من وجوه التعدد والتنوع داخل الحالة السودانية الذي أفضى إلى نزاعات سواء أكان في حالة الجنوب أم في حالة نزاعات المركز مع الأطراف الأخرى كما في حالة دارفور والجنوب الجديد في جنوب كردفان والنيل الأزرق. الجهة تتداخل وأحيانا تتطابق مع الاختلاف الإثني كما في حالة الجنوب والشمال في السابق، أو مع حالة الاختلاف الثقافي ما بين الثقافات الثانوية للجهات التي فيها قواسم مشتركة مثل الثقافات الثانوية في شرق السودان وغرب السودان وشمال السودان، أو تتطابق وتتداخل مكونات التنوع وفي ظل هذا النوع من التحالف تحدث المقابلة التي تعبر عن نفسها بين تيارين يرى أحدهما أنه مظلوم والثاني ظالم وبالتالي يحدث الفشل في مخاطبة دعوة الظلم الذي يقود في النهاية إلى انفجار النزاع. { ما الذي نحتاجه لتجاوز تلك المسببات؟ - أتصور يجب أن نستهدي بتجارب إنسانية معاصرة في أوضاع مشابهة، ويجب أن نعلي من أهمية دور القيادة في تجاوز الأزمات والأزمات التي تتحول إلى نزاعات، ويجب أن نستهدي بتجربة ماليزيا التي جاء بها (مهاتير محمد) أو حالة سنغافورة عندما جاء قائد ملهم بها مثل (لي كوال) أو حتى الصين عندما جاء في الثمانينيات (دينج زياو بينج) أو في حالة لاتين أميركا في البرازيل والأرجنتين، ونجد أن هؤلاء القادة ورثوا أوضاعا مأزومة لكنهم استطاعوا من خلال نموذج القيادة الذي تقدموا به لشعوبهم أن ينزعوا فتائل الأزمة من خلال مطلوبات تلك اللحظات التاريخية بالنسبة لشعوبهم كما حدث في حالة ماليزيا التي نهضت بقيادة (مهاتير محمد) عندما طرح المشروع النهضوي الذي بدأ بتحريك الاقتصاد الماليزي وتطبيق فكرة التمييز الإيجابي لمجموعات الأقلية وحشد جميع طاقات الأمة لصالح مشروع النهضة وليس لصالح احتمال النزاع وهذا ينطبق على الحالة السنغافورية والصينية وحالة بلدان أميركا اللاتينية. { برأيك ما هو السبب في أزمة الحكم في السودان والحديث عن غياب المحاسبة والشفافية وضعف الثقة بالمؤسسات؟ - ليست هذه حالة سودانية ولكن بالضرورة الحالة السودانية هي حالة مأزومة، وحينما تضعف قدرة الأمة على إقرار يقوم على تداول السلطة بشكل سلمي أولا، وتضعف الديمقراطية فهذا كفيل بأن يفتح الباب للفساد والنزاعات الصاخبة وفتح الباب واسعا جدا أمام التدخلات الأجنبية، والعلاقة في تقديري علاقة شرطية حيثما تراجعت الديمقراطية تتسع المساحة لمزيد من الفساد، وذلك لأن الديمقراطية تقود إلى الشفافية والمسؤولية والمحاسبة ومسؤولية الأفراد والمحاسبة المؤسسية في نفس الوقت، وطالما أن هناك ضوابط ستضيق إلى أقصى حد ممكن مساحة الفساد وستتراجع الحاجة إلى النزاعات كوسيلة لانتزاع الحقوق، وأنا أتصور أن الحالة السودانية وسيادة أوضاع غير ديمقراطية بما في ذلك وضعنا الراهن الذي فتح الباب لممارسات كثيرة يمكن أن توصف بأنها ممارسات فاسدة ساعدت بشكل متزايد في أن تستمر وتتعدد نزاعاتنا الأهلية في السودان. { السودان يمتاز بضغط ديموغرافي عال وخصوصا في العاصمة (الخرطوم) وسوء في توزيع السكان ومعظم المواطنين بدأوا في الهجرة نحو العاصمة فضلا عن انتشار النزاعات بينهم ما هو السبب وراء ذلك؟ - السودان ليس صحيحا أنه يعاني من ضغط سكاني بل هو بلد واسع وفيه ضعف واضح في الكثافة السكانية ويحتاج إلى زيادة عدد سكانه بمعدلات كبيرة، صحيح الحالة السياسية التي ظلت سائدة عبر العهود والأنظمة المختلفة أفضت إلى إفقار الأرياف والأطراف ومع زيادة انفتاح المجتمعات وزيادة نسبة المتعلمين في هذه المجتمعات صار خيار هذه الجماعات الريفية الأفضل هو الهجرة إلى الخرطوم لاعتبار أنها توفر لهم بعض ما يكفي حاجتهم في المسكن والتعليم والصحة وسوق العمل والهجرة من الأرياف إلى المركز ليست دليلا على أن هناك كثافة سكانية وهذه حالة تضليل، وكثافة السكان في العاصمة ليست مؤشرا على كثافة سكان السودان الذي يحتاج إلى مزيد من السكان حتى يستطيع أن يستغل موارده الهائلة غير المستغلة. { هجرة العقول من الدولة السودانية أصبحت هي السمة الغالبة، ما هو السبب وراء ذلك؟ - صحيح أن هناك معدلات هجرة متزايدة وهذه ظاهرة يعاني منها العالم النامي والثالث جميعه، في حالتنا هناك جملة أسباب تقود إلى ذلك منها ضعف وقلة جاذبية سوق العمل المحلي وهو سبب رئيس جدا لهجرات العقول، وكثير من المهنيين الذين يهاجرون لا يهاجرون لأسباب سياسية بشكل مباشر، بل يهاجرون لأن سوق العمل الوطني ليس كافيا لإشباع حاجتهم، وبعض الذين يهاجرون يحاولون أن يصطادوا أكثر من عصفور بحجر واحد ويجدون دخلا كافيا ومزيدا من التأهيل قد لا يتوفر في الداخل. { حسنا لكن من خلال الواقع نجد أن الجانب السياسي هو الأكثر تأثيرا في هجرة العقول؟ - ليس بالضرورة.. وذلك لأن المهاجرين يبحثون عن دخل أفضل، وهناك مهاجرون لأسباب سياسية وفي الغالب يكونون من ذوي الارتباط بالعمل السياسي ومن جماعات ناشطة سياسيا ومعارضين تم التضييق عليهم بالداخل ولهذه الأسباب يهاجرون، لكن السبب الرئيسي لهجرة العقول ليس سياسيا في المقام الأول. { ما هو السبب الحقيقي في ضعف التنمية الاقتصادية والتفاوت بين السكان في الوظائف والتعليم ومستوى دخل الفرد؟ - فساد السياسات أولا، هناك سياسات لا تحقق تنمية، والتنمية فكرتها أن تحدث التوازن التنموي بشكل رئيسي وأن لا تركز مجهودات الإنماء في مكان جغرافي واحد داخل الوطن الواحد، والسياسات المفضية إلى تحقيق نمو غير متوازن تفضي بالضرورة لإحداث نزاعات وصراعات واستقطابات سياسية حادة بسبب الظلم المتمثل في أن رأس المال وفرص سوق العمل والتنمية الثنائية جميعها في المركز، يحدث هذا بلا مؤامرة من صانع السياسات، وهذا يحدث لأن السياسة في السودان لا تقوم على إدراج جيد للمطلوبات من الدولة على مستوى إيصال خدمات التنمية الاقتصادية وتوسيع فرص الشراكة السياسية، وهذه السياسات في النهاية تفضي إلى النتيجة التي نراها الآن في الوطن الذي ظل مليئا بالنزاعات والصراعات والغبائن والاستقطاب السياسي. { الإنقاذ عندما جاءت للحكم شردت كثيرا من الذين يعملون في مؤسسات الدولة إلى (الصالح العام).. برأيك ما هو السبب وراء ذلك ومدى تأثيره على كفاءة المؤسسات؟ - هذه السياسات يقف خلفها باستمرار سوء تقدير فاحش، والإنقاذ لم تكن أول من اتبع سياسة الإعفاء من الخدمة للصالح العام لكنها تبنت هذه السياسة، وكان نتيجة ذلك أننا انتهينا إلى جيوش من العاطلين عن العمل بسبب سياسة الإعفاء للصالح العام من المدنيين والعسكريين، وليس ضروريا أن يوفر أي نظام مطلوبات تأمينه من خلال سياسة مثل هذه السياسة التي تقوم على إعفاء بلا تمييز إلى الصالح العام، وهذه سياسة لها خطورتها وتقود إلى إضعاف هياكل الدولة وفي كثير من الحالات تأخذ بعض أميز الكوادر المهنية في الخدمة العامة وتحيلهم إلى الصالح العام، وهذا يحدث حالة من الانقطاع في تقاليد الدولة أن تتخلص من أجيال بكاملها وتأتي بأجيال جديدة ليس لها سابق عهد بالعمل في هياكل الخدمة المدنية والعسكرية، وبالتالي سينقطع هذا الإرساء للتقاليد وهذا إشكال آخر ومن شأنه أن يعطل فرص الإنماء، وهذا هو الذي يقود إلى الفرص المهدرة ويمثل حالة مثالية لهدر الفرص. { برأيك ما هو السبب الرئيسي وراء الانشقاقات التي حدثت للأحزاب السياسية والنخب سواء أكانت في الحكومة أم المعارضة تاريخيا؟ - أولا يعود إلى ضعف في التكوين الديمقراطي لهذه التنظيمات وجماعات النخب المنظمة، وإعلاء مبدأ المصالح الخاصة وهو عامل آخر يقود إلى هذه الانقسامات، وغياب المشروع وفي بعض الحالات نرى أن هناك كيانات سياسية بكاملها يكون مشروعها فقط السلطة، إما السلطة التي يمسكون بها أو السلطة التي يسعون لاستلامها كذلك. { الديمقراطية الحقيقية تبنى على سيادة حكم القانون وضمان الحقوق الدستورية وكفالة التعددية السياسية واستقلال القضاء وغيرها.. ما موقف السودان الآن من هذه المطلوبات؟ - الحالة السودانية ليست حالة مثالية وتحتاج بالتأكيد إلى تطوير الحالة السياسية الراهنة باتجاه فكرة الحكم الصالح أو (الحكم الراشد) من خلال إعمال مبادئ الشفافية والمساءلة وإقرار وتفعيل مبدأ فصل السلطات وتمكين هياكل الدولة من أداء وظائفها دون أي ضغوط عليها من مراكز قوى داخل جهاز الدولة، وإعلاء مبدأ الأهلية والكفاءة في التقديم، وتوسيع سوق العمل خارج هياكل الدولة وأن لا يكون قدر المواطن هو أن يظل أسيرا لفرصة العمل التي توفرها الدولة فقط، ويجب أن يعمل النظام بمجمله لتقوية المجتمع وتمكين المواطن من أن يكون مواطنا مستقلا عن الدولة إلى أقصى حد ممكن، وجميع التسويات التي تمت بين الدولة وبعض المجموعات تكون عادة خصما على التزامات الدولة تجاه المواطن ونجد أن أغلب بنود صرف الدولة تذهب إلى أغراض الصرف السياسي والأمني والعسكري ويتراجع الصرف على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة ومياه الشرب والبنيات التحتية وتمكين هياكل الدولة من أداء وظائفها الحقيقية، ومن خلال كل ذلك هو أننا ظللنا نستدين الأزمة المزمنة للراهن والمستقبل. { حقوق الإنسان والمصالحة والعدالة.. ما هو المطلوب لتطبيق هذه القيم في السودان؟ - كما ذكرت لك يجب أن نعزز قاعدة التحول الديمقراطي، ونبني دولة المؤسسات بجانب تعزيز فصل السلطات وتمكين سلطات الدولة من ممارسة وأداء وظائفها بأفضل ما هو ممكن بعيدا عن أي ضغوط أو إملاءات، والعمل على فك الارتباط السري ما بين المواطن الباحث عن العمل والدولة نفسها كسوق عمل كي لا يكون جميع الضغط على الدولة، وإذا حدث ذلك سينشأ نوع من توازن القوى ما بين الدولة والمجتمع وداخل الدولة وداخل المجتمع من جهة أخرى، وتوازن القوى هذا كفيل بأن يحقق صونا أكبر لحقوق الإنسان وتحقيق العدالة في الحياة اليومية ويساعد في توسيع فرص تحقيق المساواة بين أبناء الوطن الواحد. { في ظل الأزمات الراهنة مع جنوب السودان ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.. هناك من يتحدث عن العدالة الانتقالية؟ - لا يمكن أن نحقق ما يسمى العدالة أيا كان شكلها ومعالجة أوضاع ظلم بعينها في وقت واحد وليس هذا أمرا ممكنا مرة واحدة وهذه عمليات تأخذ دورتها من الوقت، والمطلوب أن نضع القاطرة على السكة وأن نحرص على أن تظل هذه القاطرة متحركة وأن لا تتوقف في سبيل أن تبلغ المحطة النهائية لنهاية الطريق في وقت ما، إذا حدث ذلك أتصور أننا كمرحلة من مراحل التاريخ الوطني نكون قد أنجزنا ما يلينا ونكون وضعنا القطار على السكة وأبقينا هذه القاطرة متحركة، وإذا حدث ذلك فسيكون هذا بداية عملية إصلاحية كبرى، لأننا حددنا الاتجاه ومضينا فيه وهذا الاتجاه يعني إصلاح النظام السياسي ومراجعة الحالة الاقتصادية والاجتماعية وتوفير مطلوبات الأمن القومي دون اللجوء المتكرر إلى حمل السلاح والحروبات، وتطبيع العلاقات مع المحيط المجاور ومع المجتمع الدولي، ونستطيع أن نعمل على بناء المواطن الجديد الذي يتمتع بكفاية حاجاته الأساسية الذي يعيش بناء على كفاية حاجته الأساسية مرفوع الرأس. { برأيك ما هو المطلوب لتحقيق المصالحة الوطنية بين كل الفرقاء السياسيين في السودان؟ - أنا في تقديري أن النخبة السياسية بكياناتها وتياراتها المختلفة أحيانا تختزل الوطن في ذاتها، والنخبة تظل في بلد مثل السودان تمثل أقلية رغم أنها متنفذة لكنها من ناحية كمية تمثل أقلية، وبالتالي حينما تطرح قضايا الوطن على الطاولة تنظر إلى الوطن باعتباره هم (اعتبار أن الوطن هو النخبة) وبالتالي اعتبار مشاغل الوطن هي مشاغل هذه النخبة وننتهي إلى تسويات تحقق درجة من توازن القوى داخل مجتمع النخبة وليس داخل المجتمع العريض مجتمع المواطنين، وحلول مثل هذه ليس ت كافية لنزع فتيل الأزمة في المجتمع الذي نحن نحتاج فيه إلى مشروع يخاطب قضايا المواطنين كافة سواء أكانوا أعضاء في هذه النخبة أم كانوا من عامة الناس، أو من المنظمين في الهياكل السياسية للنخبة الوطنية في أحزاب أو ما يسمى في المجتمع المدني أو غير منظمين، ويجب أن تتبنى الدولة برنامج مخاطبة مطلوبات المواطن وتوفر الدولة العيش الكريم والخدمات الأساسية المطلوبة وأن يتحول المواطن من خادم للدولة إلى مالك للثروة من خلال الشروع التدريجي في تحويل الملكية العامة لملكيات خاصة وتشجيع النشاط الاقتصادي الحر، وأن تتبنى الدولة مشروع إنهاض الريف ويقاس فيه معدل التحول بمؤشرات موضوعية وملاحظة مدى التقدم الذي يمكن أن يتحقق في نهضة الريف، وأن يتم ذلك دون أن يتم اتباع النموذج الغربي كما هو، والعمل على مخاطبة احتياجات المواطنين بدلا عن النخبة المتنفذة الذي بدوره قاد إلى إحداث درجة عالية من الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية وبناء حالة قوة وطنية، وأن تكون قضايا الحريات وحقوق الإنسان قضايا أساسية جدا، ولكن في كثير من الأحيان نجد أن هذه القضايا تطرح كشعارات دون أن تطبق على الأرض وننتهي باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى مساومات داخل نادي النخبة الوطنية، والمطلوب هو تبني مشروع يخاطب جملة مشاكل المواطنين وليس النخبة السياسية لوحدها.