أقيمت أمس الأول في العاصمة التشيكية براغ جنازة رسمية للرئيس السابق فاتسلاف هافل وكانت تشيكيا حتى وقت قريب مثلنا جزءاً من وطن أكبر هو تشيكوسلوفاكيا ثم مثلنا أيضاً انقسمت إلى بلدين هما تشيكيا وعاصمتها براغ وسلوفاكيا وعاصمتها براتسلافا. ومنذ أواخر الأربعينات حتى أوائل التسعينات كانت تشيكوسلوفاكيا بلداً شيوعياً داخل المعسكر الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي وعضواً في حلف وارسو وكان لها أواخر ستينات القرن الماضي ربيع شهير سابق طبعاً للربيع العربي قمعته دبابات حلف وارسو عام 1968م. وحضر تشييع الرئيس هافل إلى مثواه الأخير، أمس الأول، بالعاصمة براغ، لفيف من زعماء العالم وسياسييه، منهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وغيرهما، وقيل عنه الكثير ومنه نتذكر كيف دافع هافل بشجاعة عن حقوق الإنسان في وقت كانت فيه تشيكوسلوفاكيا محرومة من تلك الحقوق بشكل ممنهج والقائل هو البابا بينيدكت السادس عشر. وقالت مستشارة ألمانيا؛ أنجيلا ميركل: «بالكلمات والأقوال قاد هافل الناس نحو الحرية». وقال الرئيس الفرنسي ساركوزي: «كل أوروبا تجتمع اليوم في براغ من أجل ذكرى هافل ما هي رسالة هذا الرجل؟ أن تكون لدينا قناعات وأن نقاتل من أجلها والدعوة إلى الحوار والاحترام والنظر إلى الماضي واستخلاص العبر للمستقب». وفي 13 يوليو 1997م كان الرئيس هافل هو موضوع هذا العمود وكان عنوانه هو الرئيس الكاتب وجاء فيه: «بكتاباته وبمواقفه وصل الكاتب المسرحي الشهير فاتسلاف هاقل إلى رئاسة الجمهورية في براغ وبالاثنين معاً الكتابات والمواقف وليس بأحدهما فقط، لقد قدم نفسه للناس بالكتابة وعبر عن تطلعاتهم وأشواقهم إلى الحرية وإلى الانعتاق من الشيوعية البغيضة. ومن مواقفه أنه في سنة 1968م هاجم وأدان غزو الاتحاد السوفيتي لبلده الذي كان اسمه تشيكوسلوفاكيا. والغريب والمؤسف أن الشيوعيين السودانيين، بمن في ذلك أستاذنا وصاحبنا عبدالله عبيد، أيدوا ذلك الغزو لماذا؟ لقد أوهموا عقولهم أن القوى الثورية في تشيكوسلوفاكيا تعرضت لهجمة شرسة من اليمين الرجعي المحلي تسانده الإمبريالية العالمية. وهافل هو أحد الذين صاغوا ميثاق 1977م وكان ذلك عملاً شجاعاً لأن الشيوعية الدولية كانت في ذروة قوتها ولم يكن أوسع البشر خيالاً يتصورون أنها بعد 13 سنة من ذلك التاريخ سوف تختفي من الأطلس ولن يكون لها وجود حاكم إلا في كوريا الشمالية وكوبا، ونعم الصين شيوعية لكن شيوعيتها منذ ماو كانت مختلفة عن الشيوعية السوفيتية وهي النموذج الذي ساد في العالم الشيوعي المنهار. وفي الشهر الماضى كرمت جامعة أوكسفورد هافل بمنحه الدكتوراة الفخرية في القانون المدني. ثم ختمنا ذلك العمود الذي نشر في 13 يوليو قائلين: تهنئة صادقة نرفعها من القلب للكاتب المحترم فاتسلاف هافل رئيس الجمهورية التشيكية وما أنبل الكتابة وما أروعها وما أحلاها عندما يكون من زملائها وفرسانها الرئيس الأستاذ فاتسلاف هافل.