فاكلاف هافل رئيس دخل المعترك السياسي من عتمة الزنازين وأضواء المسرح الذي برع في التأليف فيه، وهو ذات الرجل الذي أدار أنظف عملية انفصال أو تقسيم بلد في التاريخ الحديث، تجربة تعنينا نحن الخارجين للتو من تجربة انفصال عاصف لا تزال تداعياتها تتفاعل. رأس هافل تشيكوسلوفاكيا عام 1989 في ذروة الربيع الأوروبي الشرقي أو الربيع الثاني لبلاده بعد تجربة ربيع براغ المجهض عام 1968 ، كان هافل في السجن عندما انهار النظام الشيوعي في البلاد، لكن كتبه ومسرحياته وقصة نضاله كانت في الشارع تلهم الثوار وترسم ملامح المستقبل. خرج هافل من السجن إلى قصر الرئاسة، رئيسا منتخبا في ظرف استثنائي، كان عليه إدارة التحول والتغيير والقطيعة مع سنوات الشيوعية بالتزامن بدأت النزعات القومية بين التشيك والسلوفاك تتفاعل، خشي الرجل من تجربة يوغسلافيا الملتهبة آنذاك دعا إلى استفتاء اختار بموجبه السلوفاك الانفصال عن التشيك واضعين حدا لأغرب اسم يمكن لبلد حمله أي تشيكوسلوفاكيا الذي أرهقنا نطقه في دروس الجغرافيا، وكثرت حوله الطرف . انسحب هافل من الحياة السياسية بعد ولايته الثانية، عاد أدراجه إلى التأليف المسرحي والعمل التطوعي داخل وخارج البلاد. ينظر إلى هافل باعتباره أحد رموز الحركة المناهضة للشيوعية في عموم أوروبا الشرقية؛ لذلك ناضل من أجل ضم بلاده لحلف ناتو والاتحاد الأوروبي نكاية في التاريخ والروس. تعرض الرجل لظلم بين من النظام الشيوعي يوم حرم من التعليم الجامعي بسبب أصوله البرجوازية، وهذه تهمة لا تضاهى في عرف التزمت الذي ميز الاشتراكية إبان الحرب الباردة، تعلم هافل من الحياة، راح يراقب الحكم وتأثيره على مصائر الخلق، تمرد على الخطوط المرسومة سلفا، أراد لقلمه أن يكتب ويعبر بحرية، فعل ذلك لكن من داخل أسوار السجن، كتب في النظرية السياسية والمسرح والتاريخ. أدباء قلة تنسموا السلطة في العصر الحديث، نذكر تجربة الشاعر سنغور في السنغال وكيف تنازل عن السلطة طوعا لخليفته عبده ديوف عام 1980 الأدب الحق لا يخذل المشتغلين فيه والمهمومين به عندما ينتقلون إلى الواجهة، بل يزيد من زهدهم في السياسة وحبهم لأوطانهم. لن تجد أديبا حقا في أي موقع مسؤولية، يمد يده أو يتورط في جريمة فساد، الأدب يهذب ويرقق النفوس وينقي الوجدان ويزيد وتيرة التفكير في الآخرين والرغبة في خدمتهم، لذلك لا ينسى الناس التجارب السياسية للأدباء، يتذكرونها دائما ويمنحونها الاحترام الذي تستحق ويحنون إليها؛ لأنها نظيفة ورقيقة وإنسانية، لهذا بكى التشيك رئيسهم السابق هافل، ووقفوا في طوابير طويلة ليلقوا عليه النظرة الأخيرة، والمفارقة أن رحيله ترافق مع الإعلان عن رحيل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل، فذاك مناهض للشيوعية وهذا متشبث بها وما بينهما تاريخ سيقول كلمته.