{ الحكمة السياسية، والعقلانية، تقتضيان أن تعمل حكومة السودان على الوصول إلى اتفاق سريع مع دولة الجنوب، ينهي (الأزمة المرحلة) بين (المؤتمر الوطني) و(الحركة الشعبية) منذ أن كان السودان دولة واحدة موحدة، وكان (الحزب) و(الحركة) شريكين في السلطة والثروة والترتيبات الأمنية. { دولة الجنوب مضطربة جداً هذه الأيام بعد اندلاع حرب (أهلية) طاحنة بين قبيلتي (المورلي) و(اللونوير) والأخيرة مدعومة من (الدينكا)، مما أسفر عن مقتل وجرح الآلاف في مناطق متفرقة من جنوب السودان، وما زالت تداعيات هذه الأحداث مستمرة، وتحتاج إلى وقت طويل للتهدئة. { صحيح أن زيارة الفريق «سلفاكير» إلى «إسرائيل» ولقاءه بقادة دولة الكيان الصهيوني، من «بيريز» إلى «نتنياهو» و«باراك» وفّرت (جرعة) معنوية عالية لحكومة الجنوب، وجعلتها تستشعر الاطمئنان؛ تستبطن التحدي في مواجهة السودان، بعد تأكيدات إسرائيل بأنها ستواصل دعمها اللامحدود لدولة الجنوب، عسكرياً ودبلوماسياً واقتصادياً. { ولكن بؤر التوتر التقليدية القديمة، ومزارع الألغام (الطبيعية) في الدولة البدائية الوليدة، لا تجدي في معالجة انفجاراتها عمليات (الموساد) السرية، ولا فرق القوات الخاصة التابعة لجيش العدو الإسرائيلي، الأمر في الجنوب مختلف، وسيكتشف الإسرائيليون - بعد حين - أنهم يهدرون طاقاتهم، ويضيّعون أموالهم، ويهددون حياة ضباطهم، وجنودهم، وخبرائهم الإستراتيجيين، في أتون محرقة (قبلية) مستمرة، لا نهاية لفصولها المأساوية، مقابل فشل حكومي، وفساد مستفحل في شرايين الدولة الصغيرة، يجعلها تقف عاجزة تماماً عن التعاطي بفاعلية مع المخططات الإسرائيلية التي تستهدف أهدافاً بعيدة، في المنطقتين الأفريقية والعربية، تتجاوز النطاق (المحدود جداً) لقبيلة (المورلي) التي يغرق قادة الجنوب في دماء تصفيتها عرقياً!! { إذن الطقس مواتٍ، للوصول إلى اتفاق بين السودان والجنوب في بعض القضايا العالقة، وأهمها الاقتصادية، بما يرضي الطرفين، بعيداً عن التهديدات، والتهديدات المرتدة بين «الخرطوم»و«جوبا». { وفي هذا الاتجاه، لماذا لا يقوم السيد وزير الخارجية الأستاذ «علي كرتي» بزيارة مفاجئة إلى «جوبا» لإلقاء حجر في البركة الساكنة؟! هل الأولَى، والأنفع لشعب السودان أن يزور وزير الخارجية، أو كبار الدولة السودانية مصر، وليبيا، وقطر، أم يزوروا «جوبا»، رداً لزيارة «سلفاكير» ووفده الوزاري، حتى وإن لم تحقق شيئاً؟ { نحن لا ندعو للانبطاح والتساهل وتمرير مطالبهم، في ما يتعلق ب«أبيي» أو غيرها، ولكننا ندعو إلى المزيد من العقلانية والتدبر، والبحث عن حلول، عن طريق (المفاوضات المباشرة) بين الطرفين بعيداً عن (الوسطاء) والعواصم المجاورة. { مصلحة البلدين والشعبين في تعايش آمن، وتعاون اقتصادي رابح، تنفتح بموجبه الحدود للتجارة والاستثمار، أما تعاونهم مع إسرائيل فهذا شأن يخصهم، ولا يخصنا، فمصر وإثيوبيا وإريتريا وكينيا وأوغندا جميعها تتعاون مع «تل أبيب».