معيار واحد يجمع أحزابنا السياسية وطرقنا الصوفية وهو قدسية الزعيم الأوحد للحزب أو الطريقة، ولا سبيل لمناقشة الاتباع في الحالتين لأي قرار يتخذه السيد أو عبارة يتفوه بها سوى «القبول والرضا»، مع العلم بأن زعيم الحزب وشيخ الطريقة يجمعهما لقب واحد وهو «مولانا». والاستثناء الوحيد هو مولانا محمد عثمان الميرغني فهو يقود الطريقة الختمية «سبحة وسجادة» والحزب الاتحادي الديمقراطي «فكر وسياسة» والأخيرة أجبر عليها لأنه سليل أبو الوطنية السيد علي الميرغني - مع العلم أنني لا أنتمي لحزبه أو لأي حزب آخر- فكيف ننادي بالديمقراطية وفي كل كيان سياسي لدينا جثم ديناصور يقوده لعشرات السنوات والناس يقدسونه والبعض يحمل السلاح مطالباً بالديمقراطية ومطالباً بأن ترحل الحكومة التي أمضى أصغر ديناصوراتها 22 أعواماً فقط في كرسي المسؤولية، بينما باقي الكيانات السياسية ظلت تخرج وتعود للحكومة منذ 56 عاماً دون تغيير أو تعديل. ويقيني ألا أحد يستطيع أن يشاهد فيلماً سينمائياً واحداً مرتين ولو بعد عشر سنوات. فكيف استطعنا أن نقبل هذا الوضع طوال 56 عاماً وليس هناك أية بادرة أمل في أن تجدد الأحزاب السياسية جلدها ولو من باب التغيير ليس إلا، وهناك من يرون أن قيادات أحزابنا لا يمكن تغييرها فهي كالعلب في سير ماكينة المصانع لا يمكن أن تتخطى الواحدة الأخرى حتى تدخل التي أمامها «الكرتونة». والشيء الوحيد الذي يغيِّر جلده في السودان ويجدد دماءه هو الجيش، أي القوات المسلحة. فكل عظيم فيها يُدرك ويوقن بحتمية التغيير، والصغير يعلم أنه سيأتي إلى سدة القيادة ولو بعد حين. لذلك تحتفظ المؤسسة العسكرية بشبابها وانضباطها وعنفوانها وقدرتها على اتخاذ القرارات الصائبة، ولا تهتز إدارتها إطلاقاً. ويقدر أفرادها بعضهم حتى الذين يغادرون إلى المعاش لهم ذات الهيبة والجلال من الذين خلفوهم أن التقوا بهم في أي محفل ويخاطبونهم بذات الأدب العسكري «مرحب سيادتك» ولكن ديناصورات السياسة لا يشيخون ولا يكلون ولا يملون وكأنهم شربوا إكسير الحياة الأبدية وحتى في الفن فإن بعض الديناصورات شاخت أصواتهم وتوقَّفت حناجرهم عن الغناء ولكنهم مازالوا يتمسكون ب«المايك» ويحيون الجمهور «ويتممون» على النجومية صباح كل يوم، بل يحاولون إنتاج الجديد. والغريب حتى الطبيعة تؤمن «بتعاقب النبت» وتحل أشجار جديدة محل القديمة في متوالية يشرف عليها الخالق عزَّ وجلَّ في تنظيم بديع، ولم تفكر شجرة في أن تمكث أكثر مما هو مقرر لها ولكن الديناصورات السودانية عصية على كل شيء وسنظل نردد ذات الأسماء في عالم السياسة المحلية حتى العام 2050 وإن كتب الله لي الوفاة قولوا بعدي أنني كنت «صادقاً» ضمني «التراب» ولا يجوز في «النقد». وسأنال شفاعة البشير المصطفى «صلى الله عليه وسلم» وسيثبتني الله يوم «البعث» يوم «الجَمْع» الأعظم حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. خروج أول: قبل أن يبدأ مهرجان أيام الخرطوم المسرحية نقول لوزير الثقافة الاتحادي الأستاذ السموأل خلف الله القريش بأننا الآن في فصل الشتاء قد زادت برودته فإن اختيار المسرح القومي مكاناً لعرض المسرحيات الثمان زائداً يومي الافتتاح والختام من شأنه أن يجعل العديد من كبار السن الذين تربوا على حب المسرح غير قادرين على متابعة المهرجان. فإن كان لا فكاك من هذا المكان فنأمل أن تقوم قناة سودانية بنقل فعالياته كل يوم لأن البرد القارس يُفقد الإنسان حواسه حتى وإن أتى لحضور العروض المجانية. ولأن عدم حضور الجمهور سيحسبه البعض خصماً على المهرجان وكل شبابنا غير مرتبط بالمسرح لغيابه الدائم. خروج أخير: لعلنا نلنا استقلالنا حقيقة في يناير 2012 لأن كل الجهات احتفلت به وبحرارة هذه المرة رغم أننا فقدنا ثلث مساحة السودان القديمة، وبالمقابل ما زال إخواننا المنفصلين في الجنوب يرددون أنهم «درجة ثانية» فما دخلنا في العناق الدموي القبلي بدولة جنوب السودان، إلا إن كان في اسم جمهوريتنا التي يأتي اسم السودان لديناً أولاً وهم ثانياً، فهذه من صنع أيديهم فقد ارتضوا أن يكون سوداناً ثانياً بملء إرداتهم.