قبل أن تدخل كلمات المجاملة والملاطفة في إطار المفاوضات الثنائية بين الشمال والجنوب إلى أرشفة التاريخ والأدراج الباردة التي انطلقت ظهر (الخميس) برئاسة وزارة الخارجية، قال وزير النفط بحكومة جنوب السودان ستيفن ديو ل(الشرق الأوسط) إن الجنوب لديه متأخرات تصل إلى (6) مليارات دولار بطرف الخرطوم، وإن حكومة الشمال منعت (6) بواخر من الرسو ومغادرة الموانئ. الأنباء التي رشحت عن الجلسات المشتركة سادتها الروح الإيجابية والتأكيد عبرها على القواسم المشتركة التي تربط مصير البلدين، وأن الأطراف تبادلت أثناء الجلسة وجهات النظر بشفافية ووضوح، وأن الجانبين أكدا على ضرورة خلق الآليات للدفع بالعلاقات بين البلدين باتجاه التعاون والاستقرار والمؤسسية، وتناول القضايا ووضع المعالجات للأزمة لها يضع العلاقة بين البلدين في المسار الصحيح.. لكن قذائف واتهامات وزير النفط الجنوبي ستيفن ضيو التي وصفت بالقاسية وهدّدت بإغلاق (بلف) النفط نسفت الروح الطيبة، واتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الأطراف تضمر غبناً تجاه بعضها البعض. الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير أبلغ (الأهرام اليوم) بأن تهديد الجنوب بإغلاق خطوط النفط يعتبر من (رابع المستحيلات) باعتبار أن الإغلاق يشكل خسارة مالية كبيرة لحكومة الجنوب، بجانب الخسائر الفنية التي تلحق بالأنابيب لأسباب فنية وهندسية. (1) الخرطوم قللت من تلويحات جوبا بإيقاف ضخ النفط عبر أراضيها في الخامس عشر من يناير الجاري ودعت حكومة الجنوب إلى إغلاق (بلف) النفط، وأبدت زهدها في الرد على وزير النفط بحكومة الجنوب ستيفن ديو حول اتهاماته للخرطوم بسرقة النفط، ومنع بواخر النفط من الرسو ومغادرة ميناء بورتسودان. محمد الناير أكد ل(الأهرام اليوم) أن الجنوب يعتمد على النفط بنسبة (98%) كمصدر وحيد للنقد الأجنبي والميزانية، ولا يوجد لديه خيارات أخرى رغم الموارد الطبيعية التي يتمتع بها الجنوب لكنها ليست في متناول الأيدي لعدم تفعيلها في الوقت الراهن. السفير البريطاني بالخرطوم نيكولاس كاي دعا شمال السودان وجنوبه إلى تفادي اتخاذ القرارات الأحادية بشأن النفط وأبيي والقضايا العالقة بين البلدين. وقال في ذات الوقت في ردّه على سؤال ل(الأهرام اليوم) حول تأثير إيقاف ضخ النفط على مستقبل الشمال إن المشكلة بين الدولتين تكمن في عقل وقلب الرئيسين (البشير وسلفاكير)، لافتاً إلى أن روح دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها لندن في شهري يوليو وأغسطس المقبلين ستلهم الرئيسين في شمال السودان وجنوبه لإيجاد الحلول الدائمة لقضاياهما الشائكة. الحكومة على لسان المتحدث الرسمي باسم الخارجية السفير العبيد أحمد مروح كشفت عن إخطارها لكافة الجهات بما فيها بواخر النفط والشركات باستحقاقاتها وإعلان أخذ نصيبها من النفط (عيناً)، وكذّب مروح تصريحات وزير النفط لصحيفة (الشرق الأوسط) بامتلاك جوبا لمديونية من طرف واحد وقال إن المديونية موجودة لدى الطرفين. ونوّه العبيد للصحافيين (الخميس) إلى أن طرفي التفاوض سيعرضان فواتير متأخراتهما بطاولة التفاوض في الجولة المقبلة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ونوّه إلى أن تهديدات وزير النفط الجنوبي بإغلاق (بلف) النفط وإيقاف ضخه عبر السودان لا تمثل شيئاً. وأضاف: (دايرين يقفلوا البلف يقفلوه). (2) في ظل التطورات التي يشهدها ملف النفط بين الشمال والجنوب نجد أن حكومة جوبا اتجهت نحو دول شرق أفريقيا حيث اتفق رئيس حكومة الجنوب، سلفاكير ميارديت، والرئيس الكيني مواي كيباكي في يونيو 2011م على إنشاء ميناء (لامو) في كينيا بإسهام من جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا ليكون ميناءً مشتركاً للتصدير والاستيراد لهذه الدول الثلاث، وقال الوزير بمكتب رئيس حكومة الجنوب سيرينو هيتنغ إن الرئيسين ناقشا كيفية تنفيذ مشروع ربط جنوب السودان بكينيا عبر السكة الحديد إلى جانب عدد من القضايا المتعلقة بالعلاقات بين جنوب السودان وكينيا في أعقاب إعلان استقلال جنوب السودان في يوليو الماضي. رغم تهديدات حكومة الجنوب باللجوء إلى شرق أفريقيا لتصدير النفط لكن خبراء اقتصاديين يؤكدون أن بناء خط أنابيب جديد سيكلف الجنوب أموالاً ضخمة، لا سيما أن الأرض مرتفعة بصورة كبيرة، مقارنة بالشمال صاحب الأراضي المنسابة. صحيفة (ستاندارد) الكينية قالت على لسان المستشار الخاص لرئيس حكومة الجنوب، كاستيلو قرنق إن الخطة الأساسية تقوم على ربط خط السكك الحديد الحالي في كينيا بموقع (رونغاي) بعد أن تبنى له منصة للمستوعبات، مضيفاً أنهم الآن بصدد دراسة مرفأ لامو الذي يعتبر مرفأ مقترحاً ليصبح طريقاً بحرياً حيوياً لصادرات النفط الخام السودانية. القيادي بالحركة الشعبية أتيم قرنق قال ل(الأهرام اليوم) - في وقت سابق - إن قرار إيقاف ضخ النفط سيؤدي إلى مغادرة (10) آلاف موظف شمالي في قطاع البترول موجودين بالجنوب، ونوه إلى أن كل القرارات التي تعتزم حكومة الشمال إصدارها تعتبر كروتا (محروقة) بالنسبة إلى حكومة الجنوب لعلمها ودرايتها التامة بالقوانين والمواثيق الدولية التي تحكم عمل البترول في ما يتعلق بالإنتاج والتصدير عبر أراضي الغير استناداً على تجارب كثيرة في عدد من الدول. (3) الخبير الاقتصادي محمد الناير يؤكد ل(الأهرام اليوم) أن لجوء حكومة الجنوب لنقل النفط عبر الشاحنات والسكك الحديدية سيكلفها أموالاً طائلة، مما ينتج خسائر اقتصادية ضخمة يصعب تجاوزها. بموجب اتفاق سلام 2005م الذي أنهى حربًا أهلية استمرت عدة عقود بين الجانبين تحصل الخرطوم على (50%) من إيرادات النفط الذي يكتشف في الجنوب. حكومة الشمال أعلنت في الشهور الماضية أن ميزانيتها ستفقد 36,5% من إيراداتها بعد انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو 2011م بسبب فقدانها لحصتها من عائدات النفط المنتج بالإقليم، وحثت جوبا على التوصل لاتفاق حول إيجار البنى التحتية للبترول بالشمال. وقال وزير المالية علي محمود محمد للصحافيين وقتها إن انفصال الجنوب سيؤثر على الموازنة العامة وسنفقد 36,5% من الإيرادات خلال السنوات المقبلة، وكشف عن رسالة بعثت بها الحكومة إلى نظيرتها في الجنوب تبلغها فيها عدم سماحها باستخدام خط أنابيب النفط والمصفاة وميناء التصدير بعد التاسع من يوليو إلا بعد الاتفاق على قيمة إيجار هذه البنية التحتية. السفير البريطاني نيكولاس كاي دعا في ردّه على سؤال (الأهرام اليوم) إلى اتاحة الفرص للآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو أمبيكي التي ستعقد اجتماعها الأسبوع المقبل بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا للإسهام في الوصول إلى حلول نهائية للأزمة بين الدولتين والاتفاق على ترتيبات تجارية فعّالة ونظام منضبط لتفعيل الاستحقاقات المتعلقة بشأن النفط لكل من البلدين.