{ قارئ متابع ومثقف، ضابط بالقوات المسلحة، أرسل يسألني تعقيباً على مقال (ألزموا الجابرة): ألا تعتقد أن أنابيب البترول ومحطات المعالجة والضخ، وميناء بورتسودان، (كروت ضغط) كافية على حكومة الجنوب خلال جولات المفاوضات بين دولتي الشمال والجنوب؟! السؤال وجيه، والإجابة في رأيي تقول: ليست كافية، ولو كانت كذلك لحقق وفدنا اختراقات في ملف التفاوض، ولحصلت حكومتنا على مبتغاها في ما يتعلق برسوم عبور برميل البترول للأراضي السودانية!! { نحن نتعامل مع دولة ما زال قادتها قابعين في خانة جنود (حرب العصابات)، وأمثال هؤلاء لا تهمهم أنابيب، ولا موانئ، ولا يبالون بعائدات النفط، حتى ولوكانت تمثل نسبة 100 % في ميزانية دولتهم ذات الستة شهور!! { لوكنا نتعامل مع دولة تنطبق عليها معايير الدولة الحديثة، لكانت أنابيبنا ومصافينا، شريان الحياة لتلك الدولة، ولسعى قادتها إلى اعتماد اتفاقيات تعاون بل تكامل اقتصادي وأمني بين البلدين، لكننا نفاوض دولة يرأسها (ضابط صف) ترقى بالزانة إلى رتبة (الفريق أول)، لا يفقه شيئاً في ألف باء السياسة ولا في علوم العسكرية!! دولة يرأسها "سلفاكير"، ويديرها "باقان" الذي تدرب على حرب العصابات في "كوبا فيدل كاسترو".. حيث الشيوعية والعبثية، تجارة السلاح والمخدرات!! فكانت النتيجة: "باقان أموم أكيج" سفير الكراهية الأول في القارة السوداء!! { إما أن نتنازل عن المساحة موضوع النزاع في منطقة "أبيي"، ونتحمل تبعات هذا القرار، لنحصل على المقابل المادي الذي نريد، أو أن نتخذ قراراً سيادياً شجاعاً، لا رجعة فيه، بإغلاق ملف التفاوض مع دولة الجنوب في كافة الملفات، أبيي، البترول، تجارة الحدود، ترسيم الحدود وبقية القضايا العالقة. { نحن من أنصار أن يستمر التفاوض بين البلدين، ولكن ليس إلى ما لا نهاية!! فحكومتنا ضربت الرقم القياسي في سجلات التاريخ القديم والحديث، وحققت أعلى رقم عالمي في مضمار جولات المفاوضات بالعواصم الأجنبية، والمحصلة عدة (أصفار) على الشمال!! { لا ندعو إلى فرض أرقام جزافية على حكومة الجنوب مقابل تمرير النفط، ولا أرى حكمة في حبس سفن النفط في بورتسودان، فنحن دولة محترمة، وليس (شلة عصبجية)، فليكن الرسم (خمسة وعشرين) دولاراً للبرميل، فليكن (عشرين)، ولكن لا يمكن أن يقولوا (69) سنتاً!! إنه استهتار تحت بصر وسمع الوسطاء من الرؤساء السابقين والحاليين!! { إذن.. لا يبدو أن هناك أملاًً في استمرار سياسة حسن النوايا تجاه الجنوب، وانتظار (السبت) بعد تقديم (الأحد)، ولا بد من اتخاذ قرارات شجاعة ومصيرية في هذه المرحلة المفصلية الحساسة. { القرار الذي ينبغي اتخاذه هو توجيه (إنذار) أخير إلى حكومة (سلفا - باقان)، عبر سفارتنا في "جوبا"، وليس عبر الوسطاء الأفارقة أو (الخواجات)، وبعيداً عن الخطابات الجماهيرية المفتوحة. { الإنذار الأخير مفاده: إذا لم تكونوا جادين في الوصول إلى اتفاق خلال فترة محددة، بعيداً عن سياسة الابتزاز، والمقايضات (أبيي مقابل البترول)، فإن حكومة السودان ستقرر - وبصورة نهائية - إغلاق أنابيب البترول، واعتبارها من بين خسائر (الانفصال)، فالشعب السوداني الذي خسر أكثر من (ستمائة ألف) كيلومتر مربع هي مساحة الجنوب في مهزلة (تقرير المصير) لصالح "يوغندا" و"كينيا" ولوبيات الصهاينة ومتطرفي الكنائس العالمية، لن يكون عزيزاً عليه أن يخسرمجرد أنابيب سدد قيمتها للشركات. { ستكون مسخرة أن ننتظر أربعين أو خمسين مليون دولار منحة من (دولة باقان) مقابل العديد من التنازلات المخزية في المفاوضات المسيئة لكرامة شعبنا وتاريخه. { أسبوعان فقط، ولا أكثر، يقرر الرئيس "البشير" بعدها إنهاء حالة المفاوضات وتسريح الوسطاء والمبعوثين بعد شكرهم على تطويل أمد الأزمة!! { ثم الإعلان - رسمياً - عن إغلاق صنابير النفط القادمة من الجنوب، وإعادة انتشار القوات المسلحة في منطقة "أبيي" والطلب إلى القوات الإثيوبية مغادرة الأراضي السودانية بإحسان، على أن يتولى هذا الملف السفير "عثمان السيد"، وليس غيره من (دراويش) السياسة و(الشعراء العاشقين) في سلك خارجيتنا ودبلوماسيتنا العجيبة. { والشعب السوداني الصابر الأبي - وفي مقدمة طلائعه أبناؤه المغتربون المخلصون البررة - سيدفع (دولار الكرامة)، كما دفع قبل أكثر من ثلاثين عاماً (قرش الكرامة) لتسديد ديون العقيد "معمر القذافي"!!