{ لمَّا نُقل ابن أُختِنا «نزار» على عجل إلى المستشفى إثر عِلة مفاجئة، وأهلنا يقولون «الشر خفاس»، لم تفلح يومها مؤسساتنا الطبية في تشخيص تلك الحالة المتفاقمة أمام أعيننا يوماً بعد يوم. الاختصاصيون نصحونا يومها بنقلة إلى المملكة الأردنية، وبالفعل شرعنا في تجهيزات السفر، ولقد أتينا بما في وسعنا وطفقنا نبحث في توسعة الآخرين ومذ يومها لقد تعرَّفت على وحدة وطنية حكومية تُدعى «وحدة العلاج الموحَّد»، وهي إحدى إدارات ديوان الزكاة، فتوجهت تلقاء (مدين) الوحدة ومدينتها، وكان في الخاطر كما العهد في كثير من مأساتنا ومؤسساتنا أن أدخل في طوابير الانتظار والحالة التي بين يدينا لا تسمح. وكانت المفاجأة أن طُلب مني إحضار «المستندات» المستحقة والمشروعة، وحالما قُدِّمت تلك المستندات كان المبلغ المبذول من الوحدة قد سبقنا إلى ديار الهاشميين، ثم سافر مريضنا وكتب الله له الشفاء، وذهبت أنا في المقابل أكتب عن حالة استشفاء أخرى لمؤسسة حكومية، قد عافاها الله من «روتين الخدمة المدنية» رشاقة في الأداء ورحمة في العطاء، ومنذ ذلك اليوم لقد عرفت خارطة الطريق إلى وحدة العلاج الموحَّد، وهي تقبع في مدينة بري الرحبة حيث يسهل الوصول إليها من كل الجهات، يُسر وتيسير بعضه من بعضه، ولما حالت مرة أخرى بضع آلاف دون أن يدرج أحد مرضانا في كشف المرضى الذين يفترض أن يُعرضوا على طبيب عظام زائر، هرعنا مرة أخرى إلى إدارة «العلاج الموحَّد» وهذه المرة تحت بند «العلاج بالداخل» وكانت الخدمة بذات الكفاءة وذات السرعة وذات الخدمة التي بُذلت لنا بسخاء في الحالتين، تُبذل للآخرين بذات السخاء وذات الكفاءة، فقط على طلاب هذه الخدمة أن يستوفوا «الشروط المستندية» وأن يأتوا في اليوم المحدد. فللعلاج بالخارج أيام وكذلك لعلاج الداخل. وهنالك أيام ميدانية تسعى فيها الوحدة إلى المستشفيات، فهنالك تفاهمات بين بعض المستشفيات والوحدة. المهم في الأمر لقد ازدادت ثقة الفقراء في ديوانهم أن لهم ديواناً لم ولن يخذلهم في ساعة الشدة. { غير أن السبب الذي دفعني أن استدعى هذه المواقف النبيلة هو أن لجنة بالمجلس الوطني تديرها الأستاذة سامية هباني قد طرحت في الأيام السابقة «تصفية هذه الوحدة» واختزالها في «مركز طبي» يُدار بواسطة الزكاة. وتكمن خطورة هذه الدعوة إذا ما وجدت استجابة من قِبل الحكومة في أنها ستحرم «شرائح الفقراء» من هذه الخدمة المؤسسية الفاعلة. وصاحب هذه الملاذات يُدرك حالة «الشح الدولارية» التي تجعل الحكومة تبحث عن كل مظان صرف الدولار والدينار لإعادة ترتيبها وتنظيمها، وليكن ذلك كذلك، إلا في «حالة الفقراء». فهذه العملات الصعبة في حالة «العلاج الموحَّد» لا تذهب نثريات للأسفار، ولا حوافر للوزراء، ولكنها تذهب للفقراء. ولئن استقدمت من أمري ما استدبرت، لقلتُ «إن الأمة ترزق بفقرائها المرضى». فلتذهب لجان المجلس الوطني في ثقافة مناهضة استيراد «زهور الزينة» والتفاح ولعب الأطفال و«لعب الكبار» أيضاً! فلعمري هذا باب للفقراء، لا تغلقوه. فهنالك العديد من الوحدات الحكومية لا تفتأ تخدم الأثرياء أبحثوا عنها وجففوها. أما نوافذ الفقراء وأبوابهم إن لم تستطيعوا أن تجعلوها تتسع، فليس أقل من أن تتركوها مشرعة. فللمريض دعوة لا تُرد، فربما كانت بعض «عافية ديوان الفقراء» من عافية وتعافي المرضى الفقراء. وأن نصرة السماء تدخل من هذا الباب، فلا تسدوه يرحمكم الله. سيدي الأستاذ محمد يوسف.. الديوان في عهدكم يشهد «نقلة فكرية نوعية واستيعاب مميز ومتقدم، ولا شك أنكم تدركون أبعاد ما نطرح وما لم نطرح، وأن لديوانكم سبعة أبواب وهذا باب يدخل منه الفقراء فلا توصدوه.