لن يتراجع: خاف كثيرون على السودان من الانحراف عن الاعتدال الذي هم به ملتزمون، عندما بدأوا يكتبون منشورات على ورق كبير ويعلقونها على الأعمدة الأسمنتية وبعض الحوائط، من خلف رقابة الدولة، وهم جماعة مجهولة يزرعون الزوان وسط حقول المحبة، ويزرعون الحقد وسط حقول السماحة، وقد عزا البعض هذا إلى انشغال الحركة الإسلامية بالسياسة مما ترك فراغاً فكرياً أبعد الناس عن الوسط والاعتدال. ولكن الحمد لله أن هذه الفئة المجهولة فشلت في ما تهدف إليه، لقد امتلأت دار مطرانية الخرطوم كما دار مطرانية أم درمان بوفود كبيرة من المسلمين صباح يوم عيد الميلاد المجيد، وقد أتوا يستنكرون التطرف، ويؤكدون أن الاعتدال لن يتراجع، وفي ليلة عيد الميلاد السادس من يناير جاء إلى كنيسة الشهيدين الدكتور محمد المختار وزير الدولة في رئاسة مجلس الوزراء، والأمين العام لجهاز المغتربين، ورحبت بهم الكنيسة، وصفق لهم أبناء الكنيسة من قلوبهم، واعتبر كاهن الكنيسة أن مجيئهم هو رد اعتبار لمشاعر المسيحيين، كما امتلأ بيت الأب الدكتور القمص فيلوثاوس فرج في مساء السبت7 يناير، بعدد كبير من الوزراء، وجاء معتمد الخرطوم السيد عمر نمر وسامر الحاضرين لأكثر من ساعة وقال إنه سعيد جداً بهذا اللقاء الأسري. ولقد جاء في جريدة الصحافة 4 يناير 2012، مقال عنوانه الاعتدال يتراجع مرة أخرى، ومرة أخرى هنا لا تعني أن الاعتدال تراجع مرتين، إنما ما كتب المستشار المهندس الدكتور جون جندي بطرس هو عودة إلى مقال رئيس تحرير الصحافة يوم 2/1/2012م، وهذا مقال مفيد جداً، وإلى المقال:- في عدد الصحافة بتاريخ 2 يناير 2012م تحت عنوان «الاعتدال يتراجع» كتبت طارحاً ومعقباً على الإعلانات التي نشرت في بعض المواقع في أعمدة الكهرباء الأسمنتية وزعتها جماعة مجهولة تُحرّم الاحتفال أو المشاركة برأس السنة الميلادية والكرسماس. فعلاً حسب ما أثرت بأنها ظاهرة غريبة وشاذة على المجتمع السوداني ذي النسيج الاجتماعي المتميز الشفاف والطاهر، والمحبة المتبادلة بين المسيحيين والمسلمين في السودان تاريخياً وحالياً هي مفخرة للشعب السوداني العظيم ومفخرة وتميز عال اجتماعي وديني يفتخر به كل سوداني. وكما أقوله للمصريين دائماً بأن ما يحدث في مصر بين بعض المسلمين والمسيحيين «دي ما عندنا في السودان رغم وضوح اللون في السودان» وأقول لهم الحمد لله لم أسمع في حياتي استفزازاً أو تجريحاً من مواطن سوداني على عقيدتي ورغم أن حكومة الإنقاذ إسلامية التوجه، إلا أنها حافظت على هذا النسيج الاجتماعي. في أعيادنا يحضر المسؤولون في الدولة وقادة الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية وبعض الشخصيات الوطنية المسلمة للتهنئة الرسمية بأعيادنا في رئاسة الكنيسة وفي الأحياء يحضر جيراننا وأحباؤنا إلى منازلنا ويهنئوننا بالعيد السعيد، أيضاً نقيم كل رمضان إفطار رمضان في إحدى مؤسساتنا الاجتماعية والدينية، ويحرص السيد الرئيس عمر البشير على الحضور وندعو معظم الزعامات السياسية والدينية والاجتماعية ويلبي غالباً الآلاف هذه الدعوة السنوية ويُلقي فيها الرئيس خطاباً يشيد فيه بالمناسبة ويقدر هذا الإفطار الذي تلتقي فيه جميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي السوداني، كما نحتفل نحن المسيحييون مع جيراننا وأحبائنا وزملائنا بالأعياد الإسلامية من فطور رمضان إلى مناسبات الأعياد، كما يحتفلون معنا في مناسباتنا أيضاً. كتاب الأب فيلوثاوس فرج مساحات الود والاحترام بين المسيحية والإسلام، كتب المقدمة لهذا الكتاب علماء مشهود لهم، البروفسور حسن مكي، والبروفسور الطيب زين العابدين، والبروفسور عبدالهادي تميم وآخرون من علمائنا الأجلاء، هذا الكتاب مرجعية فيها طرح للنسيج الاجتماعي السوداني. بعد صلاة رأس السنة في كنيسة الشهيدين بالامتداد وعلى مطلع العام الجديد أخذت في سيارتي زوجتي ومعها أخاها المغترب في كندا وشقيقتها مغتربة في أستراليا وأفراد عائلتهم إلى شاطئ النيل ليروا بعيونهم احتفالات المسلمين والمسيحيين برأس السنة الميلادية، وفعلاً كان الاحتفال ضخماً جداً، مئات الآلاف من العائلات والشباب على ضفة النيل بالخرطوم وآلاف من السيارات على شارع النيل، استقبلنا من عدة مواطنين بالتحية والمعايدة بحرارة وبشاشة من الشباب، استغرقت رحلة ال10 كلم من كبري توتي حتى كبري المنشية ساعتين، فكانت هذه الرحلة أفضل إجابة عملية لأقربائي المغتربين بأن السودان على خير والمحبة وافرة بين المسلمين والمسيحيين والنسيج الاجتماعي على خير، فقلت لهم هذا هو الشعب السوداني كان وبقي وسوف يبقى هكذا. تجدر الإشارة إلى أن عشرات من أحبائهم وجيرانهم المسلمين حضروا للسلام عليهم، وكل يوم يشرفنا المزيد من أحبابهم للسؤال والسلام، أشيد في الخاتمة بمقالتكم التي تطالب فيها المؤسسات الرسمية والاجتماعية والإعلامية والسياسية والعلمية والتربوية بمواجهة هذا التراجع والتشدد الإسلامي، غير المبرر والضار بالتسامح والنسيج الاجتماعي الذي تميز به السودانيون دوماً فيجب الحفاظ عليه، كان ردهم أنتم عايشين هنا نحن هناك نفقد هذه العلاقة الاجتماعية المميزة في السودان، فكل عام والسودان وأهل السودان بخير وسعادة ومحتفل بكل الأعياد والمناسبات الدينية والتاريخية وأهمها ذكرى استقلال السودان العظيم. المستشار دكتور جون جندي