اتصل بنا منذ أيام أحد الإخوان الأفاضل من مدينة عطبرة (حي السعدابية) منبهاً بأن مؤسسة الملاذات الآمنة، الجناح الفكري طفقت في الفترة الأخيرة تختزل (الجماعة السلفية) في أطروحة (طيبة) التي يديرها الشيخ الدكتور عبدالحي يوسف وإخوانه، والرجل يستدرك بأن الأرضية السلفية التاريخية هي التي تقف عليها جماعة أنصار السنة المحمدية، على افتراض أن هؤلاء من السلفيين الأصلاء الذين يرفعون راية السنة المحمدية على مدى عقود من الزمان، والرجل يذهب أكثر وهو يصف أطروحة «طيبة» بأنها امتداد «للإخوان المسلمين» وللحكومة أيضاً، ولقد ذهبت قوافل الرجل، رجل السعدابية في ركاب قوافل السلطات، لكنه أيضاً يستدرك بأن بعض كوادرهم قد ظهروا على شاشة طيبة، ويذكر منهم الشيخ محمد الأمين إسماعيل والفقيد محمد سيد وغيرهما. وهذه تذكرني بواقعة طريفة بطلها «عمنا درويش» بحي القادسية، خليفة أمضبان بهذه المنطقة وبهذا المنطق، لقد استوقفني ذات يوم لأحمل أحد شيوخه إلى حلة كوكو فقال لضيفه وهو يودعه «أنا ما قلت ليك هسع بجي وهابي في الطريق ونركبك معاه»!! فكل الملتحين عند الرجل «درويش» هم «وهابية» بامتياز وكنت أتصور، والحديث لمؤسسة الملاذات، أن كل الفواصل قد انهارت بين فصول المدرسة السلفية في الفترة الأخيرة إلى أن نبهني هذا الأخ الكريم بأنهم يحملون «النسخة الأصل» من السلفية التي لا تقبل التقليد ولا التزوير، وأن الآخرين إن علا صوتهم فهم مجرد «إخوان مسلمين»، وفي رواية أخرى فهم «علماء سلطان» وبالطبع لا يطربني هذا التقسيم وهذه التجزئة، فنحن طفقنا نناصر منذ فترة ثقافة «أهل القبلة» التي تتحالف فيها كل المدارس الإسلامية السلفية منها والحركية والصوفية، فعلى الأقل إن العدو الذي يتربص بنا لا يفرق بيننا!! لكن دعوني أفتح ملف «الخطاب السلفي التقليدي» خطاب أنصار السنة المحمدية، وذلك بمناسبة مهاتفة هذا الرجل، وأيضاً بمناسبة «المعارك» التي دارت بين هذه الجماعة مؤخراً وبين الطرق الصوفية على خلفية «خيم المولد الشريف» إعادة إنتاج معارك السبعينيات من القرن المنصرم، فبعد ما يقارب نصف قرن من الزمان يتقهقر الخطاب السلفي التقليدي إلى الخلف وهو يصطدم بالسادة الصوفية في عقر ديار احتفالاتهم، وبدا لي أن هذا الخطاب متخلف مائة سنة ضوئية عن خطاب قناة طيبة التي سحبت البساط من تحت أرجلهم، فلا زال إخواننا «أنصار السنة» يحملون مايكرفوناتهم على ظهورهم ويجوبون الميادين والساحات يخاطبون ثلاثين رجلاً أو ينقصون، وطيبة التي يقولون فيها ما لم يقله الآخرون، هي في المقابل تخاطب ثلاثين مليونا أو يزيد، فلا يزال خطاب إخواننا هؤلاء موغلا في البدائية ولم يستوعب بعد النقلة الهائلة التي حدثت في مجال التقنيات والفضائيات، فلا يعقل أن «جماعة أنصار السنة المحمدية» التي يزيد عمرها على نصف قرن من «الدعوة إلى التوحيد» والإرشاد، لا يعقل أن تكون حتى يوم الناس هذا بلا فضائية وبلا إذاعة ولا زالت تعتمد على «مناسبات المولد الشريف» منحها الآخرون مساحة أم لم يعطوها مساحة وتكمن المفارقة أيضاً في أن «الممولين الخليجيين» المورد المادي والفكري التاريخي للحركات السلفية حول العالم، قد ذهب باتجاه الأصوليين «التجديديين» الذين يتعاملون مع وسائل العصر، وبعد كل ذلك هل يجد لي إخواني هؤلاء عذراً وأنا أتجه تلقاء «طيبة» التي لا يكلفني الذهاب إليها ضرب أكباد الإبل لأبحث عنها في الميادين والسرادق، وللذين يقرأون بتطرف، أنا هنا لا أتحدث عن المنهج الرصين، ولكن أتحدث عن الوسائل المتخلفة التي يستخدمها رواد هذا المنهج. إخواني الأكارم.. شيخ إسماعيل.. الأستاذ عبد الله التهامي.. محمد أبوزيد.. وإخوانهم.. أنتم الأقدم.. نعم.. أنتم النسخة الأصل.. اللهم نعم.. لكنكم في المقابل تحتاجون إلى الانتقال من الميادين والساحات إلى رحاب الفضائيات. والله ولي التوفيق