{ ونحن نترقب قيام (المؤتمر القومي للتعليم) تجدنا منشغلين بالتفكير في ماهية القضايا التي ستطرح خلاله ومدى ارتباطها بما يؤرق مضاجعنا من همومنا اليومية مع التعليم ومدارسه ومناهجه ومعلميه. ويأمل كلٌ منا في أن يجد هذا المؤتمر الموعود حلولاً ناجعة لمشاكله ومشاكل أبنائه التعليمية الخاصة كونه يعتبر بكل المقاييس فرصةً نادرة الحدوث نعلق عليها جميعاً آمالنا العراض، كيف لا والمفروض وفقاً لمقاييس الحضارة والتطور أن ينعقد مثل هذا المؤتمر لتقييم الأوضاع التعليمية ومستوياتها وأهدافها في مدة لا تتجاوز الخمس إلى عشر سنوات كحد أقصى! ولكن ها هو المؤتمر يأتينا بعد أكثر من عقدين من الزمان ليقف على كل التردي الذي نكابده في التعليم الحكومى منه والخاص. { ولأن أبرز الهواجس والأزمات التي قتلناها بحثاً وأرسلنا عنها النداءات والرجاءات كانت أزمة السلم التعليمي الراهن، رأى الإخوة في هيئة المستشارين بوزارة رئاسة مجلس الوزراء ضرورة الإسهام بفاعلية في هذا الحراك وذلك برعايتهم الكريمة لورشة عمل (الهياكل والتشريعات) ضمن برنامج الورش المتخصصة القائم الآن تمهيداً لقيام المؤتمر، والمعلوم أن هيئة المستشارين عبارة عن كيان نوعي جامع ومتميز يضم مجموعة من خيرة الخبراء والأسماء البارزة ذات الكفاءة في شتى مجالات وضروب المعرفة بحيث يعدون من الآليات الداعمة لاتخاذ القرار بمجلس الوزراء من خلال ما يرفعونه من توصيات حول كل القضايا التي يتداولونها بالبحث والمناقشة دورياً عبر المنتديات وورش العمل وحلقات النقاش. وقد قامت الهيئة مؤخراً في إطار إسهامها باختيار مجموعة من أعضائها بالتنسيق مع اللجنة العليا لقيام مؤتمر التعليم للمساهمة في إثراء الحوار والخروج بنتائج واضحة وموضوعية في ما يتعلق بسنوات الدراسة بمرحلتي الأساس والثانوى. { والمعلوم أن المؤتمر سيناقش جميع القضايا والأهداف والسياسات التعليمية والمناهج وغيرها، أما ما يلينا اليوم مما وضعناه على طاولة البحث بمركز الشهيد الزبير فقد تطرقنا له عبر الورقة الضافية التي قدمها لنا الأستاذ الجليل (يوسف المغربي) بينما ترأس الورشة الخبير التعليمي (عبدالباسط عبدالماجد). وقد استعرضت الورقة تاريخ السلم التعليمي بالسودان والذي ظل لمدة 70 عاماً يمضي على وتيرة 4-4-4 حتى بعد أن تم فتح معهد المعلمين العالي وتوسع التعليم بعد الاستقلال. ثم تقرر إبان الحكم المايوي تعديل ذلك السلم تماشياً مع ما عليه الدول العربيه فتحول لمسار 6-3-3 دون أن يكون هناك أهداف واضحة ولا مناهج ملائمة لذلك واجهته العديد من الصعوبات التي حاول المعنيون التصدي لها بإنشاء معهد التعليم التربوي حينها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. { ثم.. وفي مطلع التسعينات بعد قيام المؤتمر القومي الأول للتعليم تقرر السلم التعليمي الحالي، على أمل أن يكسب الطالب سنة إنتاجية ويتلقى علومه الأساسية خلال 11 سنة بدلاً عن 12 ليتم بذلك إلغاء الامتحان الانتخابي للصف السادس الذي لم يكن يتناسب مع عمر الطالب حينها، كما وتقرر أن يتم القبول لمرحلة الأساس في سن السادسة. ولكن.. لا يخفى على أحد ما واجه هذا السلم التعليمي من مشاكل وإخفاقات كونه لم يتوافق مع الأبعاد الذهنية والنفسية للطلاب في تلك المرحلة. وهذا ما أكدته نتائج المسح الشامل الأخير بالإضافة لتوضيح ضياع تلك السنة التي كان يفترض تعويضها بتوزيعها على الثماني سنوات الأساسية وهذا ما لم يحدث. عليه.. تبين لنا ضياع تلك السنة من عمر التلميذ وهو ما ينعكس سلباً على تحصيله الجامعي كما أن ثماني سنوات تعد شريحة عمرية طويلة لبقاء تلاميذ من مراحل عمرية مختلفة في مبنى واحد وهو ما تسبب في حدوث كثير من المشاكل النفسية والأخلاقية، إذ أن عدد التلاميذ في فصولنا في الغالب كبير والإشراف محدود، إذ أن المبنى المدرسي في الغالب لم يتغير وحركة التلاميذ محدودة ولم تتضاعف الخدمات، لا سيما في ظل ما تعانيه قيمة المعلم نفسه من تراجع إلى جانب ثورة الاتصالات والانفتاح الفضائي. { البعض رأى خلال الورشة ضرورة العودة لسلم 6-3-3 رغم أن تكاليف تلك العودة ستكون باهظة بعدما كيفت المدارس نفسها على الثماني فصول. والغالبية ارتأوا حتمية العودة لنظام 4-4-4 على أن تضاف السنة الضائعة للثانوي ويتضاعف التركيز على اللغات وتعود ثقافة المكتبات والمعامل والجمعيات الأدبية بحيث نقدم للجامعات طلاباً مختلفين عما هم عليه الآن. وبهذا يمكن أن تتحول مدارس الأساس الحالية إلى مدرستين يتم فصلهما بسور أو سياج معين وينقسم الطلاب إلى حلقتين من 1-4 ومن 5-8 على ألا يكون بين المرحلتين امتحان انتخابي ويتم فص الزي وتكون الإدارة منفصلة أو موحدة مع ضرورة فصل الإشراف وهذا هو الرأي الذي ذهبنا إليه جميعاً كونه لن يكون بالمقابل مكلفاً وسيعفينا من العديد من المشاكل بالإضافة إلى إيجابيات هذا السلم المتفق عليها، إذ أن كل العلماء والنوابغ الذين نعرفهم كانوا يوماً يدرسون على هذا النسق.. ولكننا نضع الأمر بين أيديكم وننتظر مقترحاتكم وآراءكم التي هى حتماً محل تقدير هيئة المستشارين وخبراء التعليم عساهم يفيدون بها المؤتمر القومي المأمول والمزمع. {{ تلويح: وتبقى في جعبتنا قضية المناهج والحقيبة المدرسية التي قصمت ظهور أبنائنا.. ولنا عودة.