في مثل هذه الأيام من عام 1965م وبالتحديد في 18 فبراير من ذلك العام أي قبل سبعة وأربعين عاما بالتمام والكمال تقدم الأستاذ سرالختم الخليفة باستقالة حكومته أي حكومة أكتوبر الانتقالية التي شكلت في أعقاب انتصار الثوار في أكتوبر 64 وسقوط نظام 17 نوفمبر الذي كان يرأسه الفريق عبود. والذي يلفت النظر في تلك الحكومة كثير، ومنه أن حزبا تاريخيا كبيرا كان له القدح المعلى في عملية الاستقلال الذي أعلن منتصف خمسينيات القرن الماضي وهو الحزب الوطني الاتحادي الذي يقوده الزعيم إسماعيل الأزهري كان ممثلا في تلك الحكومة بوزير واحد هو الأستاذ المحامي مبارك بابكر زروق الذي شغل منصب وزير المالية وكان أول وزير خارجية في البلد في الخمسينيات وكان زعيما للمجلس ثم زعيما للمعارضة. وكان الحزب الكبير التاريخي الآخر أي حزب الأمة ممثلا أيضا في تلك الحكومة الأكتوبرية بوزير واحد هو الأستاذ المحامي محمد أحمد محجوب الذي شغل منصب وزير الخارجية وقد شغل هذا المنصب من قبل في الخمسينيات في حكومة السيدين التي رأسها الأمين العام لحزب الأمة العميد عبدالله خليل. وكان الحزب الجماهيري الثالث حزب الشعب الديمقراطي المرتكز على طائفة الختمية ممثلا في حكومة سرالختم الأولى بوزير واحد هو الأمين العام لذلك الحزب الدكتور أحمد السيد حمد. ويرى البعض أن هذا التمثيل المتواضع للأحزاب الثلاثة الكبيرة في حكومة أكتوبر الأولى رغم ثقل زروق ومحجوب وأحمد السيد حمد كان خطأ، هذا الخطأ كان أحد الأسباب التي عجلت بسقوط حكومة سرالختم الخليفة الأولى. ومؤكد أن جماهير هذه الأحزاب الثلاثة الكبيرة الوطني الاتحادي والأمة والشعب الديمقراطي اشتركت في ثورة أكتوبر 64 وأن الاشتراك في تلك الثورة لم يكن قاصرا على الشيوعيين واليساريين ليحظوا بذلك التمثيل الكبير في الحكومة الأكتوبرية التي سقطت في مثل هذه الأيام من عام 1965م وقد اشترك الإسلاميون في تلك الثورة وتم تمثيلهم بوزير هو الدكتور محمد صالح عمر. ثم شكلت حكومة أخرى برئاسة سرالختم الخليفة تمت فيها مراعاة الثقل الجماهيري لأحزاب الوطني الاتحادي والأمة والشعب الديمقراطي فأصبح كل حزب من هذه الأحزاب الثلاثة ممثلا في الحكومة بثلاثة وزراء وتقلص التمثيل اليساري ليصبح وزيرا واحدا وكانت هذه الحكومة الأكتوبرية الثانية حكومة انتقالية ذات مهام محددة. وفي صيف 1965م أجريت الانتخابات التشريعية وكانت جزئية فالوضع الأمني في الجنوب لم يسمح بإجرائها هناك وكانت تلك الانتخابات جزئية حتى في الشمال إذ قاطعها حزب كبير هو حزب الشعب الديمقراطي. وفي تلك الانتخابات حصل حزب الأمة على المركز الأول لكنه لم يستطع أن يشكل الحكومة منفردا وحصل الوطني الاتحادي على المركز الثاني واضطر الحزبان الكبيران إلى تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة الأستاذ محمد أحمد محجوب وبعد سنة تقريبا أطيح بها ليرأس الحكومة الجديدة - وكانت أيضا ائتلافية من الحزبين الكبيرين - رئيس حزب الأمة الشاب السيد الصادق المهدي لكنها سقطت بعد تسعة شهور تقريبا ليعود محجوب رئيسا للوزراء. وكان اهتزاز ثقة الشعب في تلك الحكومات بلغ ذروته ومن هنا كان ترحيبه بالانقلاب العسكري الذي قاده في مايو 69 العقيد أركان حرب جعفر محمد نميري.