تتواصل مفاوضات القضايا العالقة بين السودان ودولة جنوب السودان بأديس أبابا، ويتوقع أن تنتهي بتفاهمات إيجابية ترضي الجانبين، حسب قراءات المراقبين وقياساً على مؤشرات في الدولتين بإمكانية التوصل إلى اتفاق حول النفط الذى يعتبر أكثر القضايا إثارة للجدل، بعد أن أعلن الجنوب في وقت سابق وقف إنتاجه النفطي، متهماً الخرطوم بالمغالاة في سعر نقل برميل النفط عبر موانئه وخطوط أنابيبه.. وكانت قد راجت توقعات بإمكانية عقد لقاء بين البشير وسلفاكير، إلا أن وزارة الخارجية استبعدت الأمر، وأكدت عدم تسلمها أي إخطار رسمي من وساطة الاتحاد الأفريقي في المفاوضات أو من عاصمة الجنوبجوبا بعقد قمة رئاسية بين الرئيسين المشير البشير وسلفاكير، واستبعدت عقد قمة بين الخرطوموجوبا، وربطت إمكانية انعقادها بإحداث اختراق في جولة المفاوضات الملتئمة وإفضائها إلى نتائج إيجابية. { جولة المباحثات الحالية تأتي حول القضايا التى لم تحسمها اتفاقية نيفاشا (2005) بمشاركة وفد الوساطة الأفريقية برئاسة «امبيكي»، وسط ترقب وحذر على ضوء التطورات على الأرض، وهي المباحثات التى وصلت إلى طريق مسدود الشهر الماضي في ظل تمسك كل طرف بموقفه، حيث تصر حكومة السودان على دفع مبلغ (36) دولاراً لعبور البرميل الواحد، في الوقت الذي يتمسك فيه جنوب السودان بسعر لا يتجاوز (69) سنتا للبرميل. { منذ الوهلة الأولى للانفصال في يوليو من العام الماضي لم تظهر بوادر حرص على العلاقات الدبلوماسية المتينة بين الدولتين، السودان وجنوب السودان - كما يقول مراقبون - كما أن العلاقات لم تكن واضحة، بالرغم من أن أن الحكومتين بادرتا بتعيين قائمين بالأعمال الدبلوماسية في كل من الخرطوموجوبا. ويرجع مراقبون السبب إلى عدم الثقة وتضعضعها في الفترة الانتقالية التى أعقبت الانفصال، وكان متوقعاً أن يسعى الجانبان سريعاً إلى إقامة علاقات تؤدي إلى تعاون اقتصادى يصل إلى درجة التكامل، بناء على أن الجنوب تدخله حوالى (150) سلعة من الشمال عبر منفذ ميناء كوستي والطرق البرية في الولايات الاخرى، لكن الأوضاع في الأرض لم تجر في ذلك الاتجاه، بعد أن أقامت الخرطوم نقاطاً لضبط الحدود، وبالمقابل واجه الجنوب المصالح السودانية بإجراءات ضديَّة. { عقب الانفصال أكد مسؤولون جنوبيون أنه لا يمكن أن يستغني أي من الطرفين عن الآخر، لكن تصاعد وتيرة الأحداث العسكرية والسياسية عصف بالتعاون المنشود، وبرز التعامل بمبدأ عدم الثقة في تعاملات الجانبين، وصولاً إلى تبادل الاتهامات، وتم استدعاء القائم بأعمال السودان في جوبا؛ السفير عوض الكريم الريح. { الضغوط الاقتصادية التي تواجه الجنوب ربما قد تدفعه إلى قبول موقف السودان - كما يرى مراقبون - رغم أن التعنت قد غلب على أجواء التفاوض، واشتملت فاتحة المفاوضات على كلمات غير مبشّرة من قبل رئيس الوفد المفاوض الجنوبي «باقان أموم» يمكن أن تؤثر على موقف التفاوض - كما رجح ذات المراقبين. فيما يقول جنوب السودان إنه يعتزم تصدير 10% على الأقل من إنتاجه البالغ (350) ألف برميل يوميا عبر الطرق البرية باستخدام الشاحنات، لنقل ما لا يقل عن (35) ألف برميل يومياً من إنتاجه إلى مدينة مومباسا الساحلية الكينية وإلى ساحل جيبوتي لحين بناء خطوط أنابيب في كينيا وإثيوبيا. { الرئيس البشير، في حوار أجرته معه صحيفة (الراية) القطرية أمس الأول، قال: (بالنسبة للبترول تم الاتفاق أن ما هو موجود في الجنوب يتبع لحكومة الجنوب وما هو موجود في الشمال يكون تابعا لحكومة السودان. هم أخذوا البترول والمفروض بالتالي أن يدفعوا مقابل استخدام المنشآت الموجودة في السودان، لما كنا دولة واحدة كانت هناك لجان استثمار وتسامحنا مع الشركات وفرضنا عليهم رسوماً بسيطة ولكن لما أصبح البترول تابعاً لدولة أخرى وليس بترولنا استندنا إلى تجارب دولية وعملنا نموذجاً لكيفية التعاطي مع هذه المسألة رغم أن المطلوب من قبل المجتمع الدولي بعد الانفصال كان دولتين قابلتين للعيش، فالمقترح الدولي والإقليمي أن تكون هناك ترتيبات اقتصادية انتقالية تعوض السودان ما خسره من البترول خلال ثلاث سنوات قادمة ويجري تصدير البترول استناداً إلى أرقام صندوق النقد الدولي، لكن هم رفضوا هذه الترتيبات، وفي كل جولة يحاولون إفشال أي مفاوضات حول الترتيبات الانتقالية فاتخذنا قراراً بأن نتعامل مع هذه القضية من خلال المعاملات التجارية، فمقابل استخدام منشآت النفط وخط الأنابيب وميناء التصدير والحقوق السيادية لعبور النفط وضعنا التقدير الخاص بنا وبدأنا نتفاوض معهم من بداية يناير إلى نهاية ديسمبر، وهم مستمرون بالتفاوض دون إعطائنا حقوقنا، فهم يأخذون حقوقهم كاملة ولم يمنحونا حقوقنا مقابل العبور، ولا من خلال الترتيبات الانتقالية فابتدأنا أخذ حقنا عيناً من البترول المار عبر السودان، فاتخذوا قراراً بقفل الأنبوب ونحن فقدنا بذلك حوالي 30% من موارد الموازنة لكن هم فقدوا 98 % من مواردهم). { الخرطوم يبدو واضحا أنها لا ترغب في وجود الوسطاء الغربيين، بما فيهم الولاياتالمتحدةالامريكية، إلا ان تسريبات أفادت بأن المبعوث الأميركي؛ برينستون ليمان، قد اجتمع بالجانبين الجمعة الماضية في العاصمة الأثيوبية؛ أديس أبابا، وبحثت الأطراف إمكانية معاودة إنتاج النفط وتصديره عبر السودان، وغيرها من القضايا محل الخلاف، واتفق الجانبان حول أجندة التفاوض، كما بحثا إمكانية معاودة إنتاج النفط وتصديره عبر السودان، حيث اشترط وفد جنوب السودان التوصل لاتفاق تجاري يشمل رسوم العبور ومعالجة ترحيل نفط الجنوب، كما هو معمول به في الأعراف الدولية. { الخبيرة الاقتصادية ووزير الدولة السابق بوزارة المالية والاقتصاد الوطنى؛ د. عابدة المهدي، ربطت وصول الطرفين إلى اتفاق نهائي بالوصول إلى حلول في مشكلة ترسيم الحدود في أبيي، إلا أنها عادت وقالت إنه يمكن أن تتغلب الحوجة الاقتصادية على هذه القضايا، أضف إليها مشكلة الاتهامات من قبل الجانبين، حيث يُتهم كل طرف بدعم المتمردين في الجانب الثاني، بجانب الصدامات في كردفان والنيل الأزرق. وتشير الدكتورة عابدة إلى أنه ربما يكون السعر الذي يحدده السودان لنقل البرميل مرتفعاً - في نظر جوبا - لكن نتوقع أن يخفض في المفاوضات، ودولة الجنوب تعلم تماماً أن السودان متمسك بموقفه، وإذا لم يدفع لن تحل المشكلة. وترى «عابدة» أن المشكلة إذا كانت اقتصادية بحتة يمكن حلها في المفاوضات، لكن هنالك عدم ثقة، وهو ما يشكل حجر العثرة الحقيقي. { إذن.. تشرئب أعناق المراقبين والمهتمين تنتظر مخرجات مفاوضات إديس أبابا التي يصعب التكهن بمآلاتها.. ليظل الانتظار هو الخيار لاستشراف مستقبل العلاقات بين الخرطوموجوبا.